ـ كتب: أمين درهم 
 
قد يكون من المصادفة أن تفقد اليمن في شهر أبريل الحزين أكبر فنانيها في بداية أبريل الفنان أحمد بن أحمد قاسم ثم الفنان محمد سعد عبدالله الفنان الذي مازالت أغانيه العاطفية والوطنية راسخة في أذهان جميع اليمنيين.
واليوم 17 أبريل نستشرف حياة فنان كبير وعزيز جداً على نفسي ماتزال ذكراه حاضرة في نفسي إلى اليوم.. إنه الفنان الكبير علي الآنسي الذي مرت على ذكرى وفاته اليوم 39 عاما وأشعر بحزن عميق على رحيله فقد كان صديق وفي وفنان راقي ومحب لجميع الناس قلما أجد مثله في مثل هذه الأيام..
أستمع إلى أعماله الغنائية الخالدة العاطفية والوطنية دوماً في أوقات فراغي، ومع مرور الزمن تظل أعماله الغنائية مرغوبة وتطرب لها الآذن ويسمعها الصغير والكبير ..وسبب ذلك هو الكلمة الصادقة واللحن الجميل المتعوب عليه والغناء الصادق الذي كان يتعايش فيه الفنان علي الآنسي مع كلمات أغانيه ويؤديها بمشاعر فياضة وليس كما نسمع اليوم.. رحم الله فناني الأمس!..
الفنان علي الآنسي استمرت علاقتي به وثيقة الصلة حتى وافته المنية بتاريخ 17/4/1981م,. رحمة الله عليه فقد مثل رحيله خسارة كبيرة على الفن اليمني بشكل خاص وعلى الوطن بشكلٍ عام.
محطات رافقت فيها صديقي الفنان الخالد علي الآنسي:
< غنى في تعز بأروع أغانيه
<حصل على أول عود بتعز
< رحلته إلـى عدن
< قصة أغنية (بإسم هذا التراب)
< مشاركة الانسي بثورة 26 سبتمبر
أول فرقة موسيقية بتعـز وأحمد
عبده سعيد وفضل محمد اللحجي
< عمله في شركة أهازيج وأغاريد صنعاء
< قصة الثلاثة العلايلة
< مواقف إنسانية
ولد الفنان علي بن علي الآنسى عام 1933م في حي الباشا بصنعاء القديمة من أبوين مكافحين، وهما: (البيتشاويش المدفعي علي بن يحيي الآنسي)، والأم السيدة الفاضلة (سعادة) رحمة الله عليهم، وبعد ثورة 1948م الدستورية انتقل الفنان علي الآنسي مع جميع أسرته إلى مدينة تعز، حيث كانت تعز عاصمة اليمن خلال فترة حكم الإمام أحمد حميد الدين، كما انتقلت في ذلك الوقت الكثير من العائلات الصنعانية إلى مدينة تعز، وكان أكبر تجمع لهذه العائلات في منطقة الجحملية والتي شكَّلوا فيها العديد من المجالس الفنية والأدبية ذات الطابع الصنعاني المتميز.
بدأت الاهتمامات الفنية للآنسي بالظهور في مدينة تعز منذ أن كان طالباً في المدرسة الأحمدية في خمسينات القرن الماضي وقد أصبح طلاب هذه المدرسة من أوائل رجال الدولة قبل الثورة وبعدها حيث عين لها من عام 1940م حتى 1950م المرحوم الحاج عبد العزيز عطاء يدرس ويدير في هذه المدرسة الأحمدية.. وهو علم من أعلام الأغابرة والأعروق، والذي تلقى تعليمه مع أبناء سلاطين لحج من قبل مدرسين مصريين وفي نفس الوقت كان يدرس في المدارس الابتدائية في مدارس لحج رحمة الله عليه، ثم عين لها أ.عبدالقادر صوان في عام 1950م مديراً لها وهو من أصل فلسطيني، وفي نفس الوقت عين لها أستاذاً آخر من فلسطين أ.عبدالرؤوف نجم الدين والذي استمر حتى بعد الثورة وله لمسات لا تنسى في مجال التربية والتعليم في تعز.
امتلك الآنسي حينها أول عود أهداه أياه أحد المعجبين بفنه، وهو المرحوم محمد السراجي، وعندما علم والده بامتلاكه عوداً في المنزل، قام بإحراقه في التنور بسطح المنزل.. غير أن عزيمة الشاب وشغفه الكبير بالفن لم تثنه عن مواصلة حلمه، فقد بدأ حياته الفنية هاوياً للفن، ثم محترفاً حتى وصل إلى مستوى كبار الفنانين في اليمن والوطن العربي.
وأشير بهذه السطور بمحطات عديدة جمعتنا بالفنان على الآنسي طيلة علاقتنا التي امتدت لأكثر من عشر سنوات، أحد هذه المحطات التي لا تنسى هي اصطحابي له إلى مدينة عدن في أول زيارة له للمدينة عام 1961م، حيث قمت بتعريفه على كبار الفنانين المشهورين في ذلك الوقت أمثال: محمد مرشد ناجي، وفضل محمد اللحجي، وأبو بكر بالفقيه، وحسن فقيه، ومحمد صالح همشري، وأحمد يوسف الزبيدي، وغيرهم من فناني عدن ولحج, وهناك اشترك مع بعض الفنانين المذكورين في جلسات طرب، وتم تبادل الآراء حول الألوان الفنية في ربوع اليمن، الأمر الذي ساعده في إثراء تجربته الفنية، وتعميق معرفته بأصول الفن اليمني في الشمال والجنوب.
وكان اللقاء يتم في منزل المرحوم سعيد عزيم في حارة القاضي بكريتر، والذي كان يعتبر ملتقىً للفنانين من شمال، وجنوب، وشرق اليمن، وهو والد الفنانة نبيهة عزيم أول فنانة تظهر على مسرح مدرسة البادري مع الفنان أبو بكر بالفقيه في عام 1957م.
وكنتُ حينها أحد مسؤولي هذا المسرح الشاهد على أيام الزمن الجميل والذي شهد أول انطلاقة للفنان أبوبكر بالفقيه وهو من قدم أعمالاً فنية خالدة للمواهب العدنية في الخمسينات من القرن الماضي ومنهم الفنانة نبيهة عزيم بديلوج ( يازين يازين بفديك بالعين )، واشترك معها بالغناء محمد صالح همشري والمنولوج ست فؤاد الشريف, كما قدم الفنانة فتحية الصغيرة بأغنية ( تبنا خلاص تبنا)، والفنان محمد عبده سعد بأغنية (من نظرتك يازين ) واستمر هذا الفنان المبدع ليعطي من ألحانه وكلماته للكثير من الفنانين العرب ومنهم الفنان الكويتي عبدالله الرويشد والفنانة الجزائرية وردة وغيرهم.
كما قمت بتقديم الفـــنان الانسي للحاج محمد عبدالعزيز الأغبري أبـو الفنانين والرياضيين بعدن يومهـا، والذي استضافه في منزله لمدة ثلاثة أيام وسجل له عدداً من الأغاني من ألحانه ومن التراث الصنعاني، والذي كان أيامها صاحب ورشة خراطة في عدن وفيها تخرج الكثير من شباب اليمن الذي كان لهم حضور مهني في اليمن والسعودية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. كانت هذه الورشة بمثابة معهد مهني مثلما هو في وقتنا الحاضر.
وخلال هذه الزيارة أدَّى الآنسي أغنية عدنية للفنان محمد صالح همشري (أشهدوا لي على الأخضر شل عقلي منى وأنكر)، والتي كان دائماً يتغنى بها، وقد تم تسجيلها لاحقاً في إذاعة صنعاء بصوت الفنان علي السمه أشهدوا لي على الأسمر)) 
 ومن ناحية أخرى غنى له الفنان أبو بكر بالفقيه (ياليل هل أشكو)، وفي أوائل الستينات سجل هذه الأغنية في بيروت بالفرقة الموسيقية، وتم طبع اسطواناتها للاستثمار, وكان لها رواج كبير في السوق اليمني والسعودي، وتعتبر هذه الأغنية أول عمل فني للفنان أبو بكر باللون الصنعاني.
وعند قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م انطلق صوت الآنسي يشدو بأنشودة (باسم هذا التراب والفيافي الرحاب)كلمات : الشاعر الكبير صالح نصيب - لحن الفنان المبدع حسن عطا، ثم سجلت في إذاعة صنعاء. ولقيت صدىً كبيراً لدى الجمهور اليمني شمالاً وجنوباً وكانت أكبر حافز لانخراط الشباب بالمقاومة الشعبية من كل مناطق اليمن, فقد ظلت نشيد الصباح في مدارس الجمهورية ..حتى تم تأليف وتلحين النشيد الوطني للجمهورية العربية اليمنية آنذاك..
ولأن الحديث عن صديقي العزيز الفنان علي الآنسي يطول سيكون لنا حلقات أخرى لنعطيه حقه.
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.