ن …...والقلم

اشتقت البحر…
الاثنين 2 أغسطس 2021
عبد الرحمن بجاش
داهمني إحساس بالألم بعد عصر أمس ...فقد عاد بي خاطري إلى تلك الأيام التي كنت أستكب براحلتي نحو البحر غربا...ألاحق الشمس وهي تحث الخطى نحو الغرب، وأنا أسابقها أينا سيغطس عند أفق السماء حيث تلتقي بصفحته الزرقاء...تسبقني، فألحقها، تارة أجدها خلف المنحنى، وأحيانا تتربع قمم الجبال وأنا أهيم بالراحلة في أودية الشوق إلى النوارس…
مرة ألحقها قمة جبل مناخة، فادعوها إلى فنجان قهوة، تعتذر عنه وتهطل نحو السهوب المستريحة عند الأفق. 
أتربع على خيلي و أحث الخطى للذهاب حيث تركت الشجن هفهفات الطيور تغادر مخابئ الشتاء ذاهبة تبحث عن دفئ جنيات البحر ما فتئن يرسلن آهات الحزن على ذكريات هناك دفنت تحت فرش البحر الوثير…
اشتقت إلى البحر أسكب إلى جيبه كل غبار البرود وامات الريح تزمجر في ليالي العشق في كوخ هناك طرح نفسه على شاطئ الليل فوق كتف بحر لا اسم له ….
اشتقت إلى موسيقى البحر، صفير الريح، هفهفة الأجنحة، همس البحارة يرددون أغاني الشجن الى كأس وعينين وجواهر النهود الشبقة…
اشتقت لضوء القمر يفرش نفسه على صفحة البحر، يكشف الطريق للعشاق الذين يهبون شواطئ البحار ذكرياتهم ...
اشتقت إلى همس الليل يهمس في أذن البحر ذكريات زرعتْ في القلوب وأينعت ورودا تنبت بين اللآلئ والدرر…
اشتقت إلى ثمة موسيقى يعزفها الليل على شاطئ بحر لا يعرفه سوى من يهمسون لعشيقاتهم شوقا بالورود….
اشتقت إلى ضوء فنار بعيد يغني أغنية الغسق الأخير لبحر قرر أن يترك مكانه ويذهب إلى عيني حبيبة هناك تنتظر وحيدة في كوخ يرقد بعيدا حيث تنام همستا عاشقين ...
اشتقت إلى ليلة عاصفة تتداخل في ليلها الأصوات، صوت موسيقى، جيتار يدندن، عود أوتاره تستحضر زرياب من الأندلس إلى صحراء الريح ، يسكن في عين بغداد من جديد ينتظر الموصلي والخليفة، ليضيف الوتر الخامس ويغني للبحارة أشعار أمرئ القيس...
اشتقت إلى خيل يمخر بي عباب البحر...يذهب بي إلى جزيرة تحتضن ضوء الغبش …
اشتقت إلى رجلي تقودانني على ساحل لا ينتهي سوى في عيني امرأة مولودة في قوقعة نبتت في قاع الغيم …
اشتقت إلى بحرها ، أمتلكه لوحدي بأنانية العاشق فيعيشه حتى الغسق الأخير من الضوء…
اشتقت إلى بحر يضيء ليله بشمعة يتراقص ضوؤها على وجه امرأة..
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.