الشاعر الذي صَهَرَ اليمن بأصوات المطربين!! (1-2))
 
ـ كتب: محمد عبد الوهاب الشيباني
 
لم أجد في تتبعاتي الاستماعية وقراءاتي المتواضعة شاعرا غنائيا في اليمن كتب بمعظم اللهجات اليمنية بميزة وثقافة ووعي الشاعر أحمد غالب الجابري، فهو الوحيد الذي كسَرَ حلقات ثنائية الشاعر والفنان التي ارتبطت -في تاريخ الأغنية اليمنية- بالتقاربات الوجدانية والثقافية والجغرافية بين كاتب الأغنية والفنان.
كتبتْ ذات وقت عن الثنائية، التي اعتمدت على التقاربات الثقافية واللغوية والنفسية والجغرافية، متتبعاً فيها ثنائية الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) والفنان أيوب طارش من زاوية الاحتكار المحبب، الذي لم يزل يلقى قبولاً عاماً في أوساط المستمعين والمهتمين بقضايا الموسيقى والطرب في اليمن.
الثنائيات في اليمن كثيرة ومتنوعة، تشير إليها: ثنائية الشاعر أحمد فضل القٌمندان والفنان فضل محمد اللحجي، وثنائية الشاعر حسين أبوبكر المحضار والفنان أبوبكر سالم بالفقيه، وثنائية الشاعر لطفي جعفر أمان والفنان أحمد بن أحمد قاسم، وثنائية الشاعر محمد عبده غانم والفنان خليل محمد خليل، وثنائية الشاعر أحمد بو مهدي والفنان محمد صالح عزاني، وثنائية الشاعر أحمد عبد ربه العواضي والفنان أحمد السنيدار، وثنائية الشاعر علي بن علي صبرة والفنان علي بن علي الآنسي، وثنائية الشاعر عمر عبدالله نسير والفنان محمد محسن عطروش، وثنائية الشاعر سلطان الصريمي والفنان عبد الباسط العبسي، وثنائية الشاعر محمد الذهباني والفنان محمد حمود الحارثي، وثنائية الشاعر محمود الحاج والفنان أحمد فتحي، وثنائية الشاعر مصطفى خضر والفنان محمد عبده زيدي وغيرهم.
هذه الثنائيات استطاعت توصيل الأغنية اليمنية إلى آفاق رحبة تتجاوز البيئات المحلية، التي قامت على أساسها الكثير من أعمدة هذا التشكُّل إلى الجغرافيا الأشمل في كثير من الأوقات، لكنها كثيراً ما كانت تعود -هذه الثنائيات- لتنكفئ على ذاتها وخصوصيتها المحلية، لتصير إرثاً مُتحفيَّاً في تاريخ الأغنية، بسبب تفكك هذه الثنائيات، إما بموت أحد طرفيها أو خصومتها أو عدم تطوّرها.
شُهرة الفنان وحدها من حافظت، في كثير من الأوقات، على ديمومة التواصل والتوصيل، على نحو أنموذج حسين المحضار وأبو بكر سالم والفضول وأيوب.
الشاعر أحمد الجابري غنَّى له العديد من الفنانين اليمنيين شمالاً وجنوباً، ابتداء من أواخر خمسينات القرن الماضي؛ منذ كان طالباً في جامعة القاهرة، وهي الفترة التكوينية ذاتها لشعراء الأغنية المعروفين (سعيد الشيباني وعبدالله سلام ناجي وعبده عثمان محمد) حينما كانوا، هم أيضاً، طلاباً في الجامعات المصرية آنذاك. مغامرات معظم شعراء الأغنية في اليمن عموماً لم تتجاوز الحواضن الثقافية بخصوصيتها اللهجوية، التي ينتمون إليها؛ إذا يندر أن تجد شاعرا من كُتاب الأغنية كتب بخصوصيات لهجوية غير تلك التي تطبّع وتربّى عليها في بيئته المحلية.
وحده الشاعر الجابري حلَّق بعيداً في فضاءات الجغرافية اليمنية، وكتب باللهجات العدنية، واللحجية، والبدوية، والحضرمية، والصنعانية، والتعزية بخصوصيتها الحجرية.
وغنّى له الفنانون محمد مرشد ناجي، وأحمد بن أحمد قاسم، وأيوب طارش، وعبد الباسط عبسي، ومحمد سعد عبدالله، ونبيهة عزيم، وطه فارع، وبهجة نعمان، وعصام خليدي، وغيرهم من الفنانين.
نبيهة عزيم أول صوت غناء نسوي ظهر في الجزيرة والخليج عام 1957م، وانطفأ بعد أن تزوجت، وانتقلت إلى الإقامة في جيبوتي في العام 1962م، غنّت للجابري أغنيتها المشهورة "يا ساحري يا هاجري"، التي لحنَّها الفنان أحمد قاسم.. تقول كلماتها:
"يا ساحري يا هاجري/ أنت الذي في خاطري/ لوَّعني الطير في الربُى/ وأنشد بالحان الصِبا/ هاج الحنين في خاطري/ هلاَّ ذكرت قصائدي/ والشوق والأمل الطري/ يهفوا إليك بناظري/ كيف السبيل إلى الوصالْ/ والدمع في عيني ابتهالْ/ يسبي إليك مشاعري/ قد كان حبك مثل ما/ تشدو البلابل في السما/ ما ذنب قلبي العاثري".
في هذه الفترة المبكرة، كانت العلاقة الفنية بين الجابري وأحمد قاسم في أوجّها، فلحّن وغنَّى له العديد من القصائد الذائعة بلهجتي عدن والحجرية، ومنها:
يا مركب البندر والمي والرملة - قصيدتان ظهرتا تالياً في مجموعة الجابري الكاملة (عناقيد ملوّنة 2020) بمقاطع لم تكتمل- لكنّهما ستصيران، مع الوقت، من العناوين البارزة في تجربة الفنان، المؤصّلة للون العدني في الغناء، ومن أجمل أغاني الصباح التي كانت تَشْنِف بها إذاعة عدن أذان مستمعيها بهما طيلة عقود.
"يا مركب البندر/ سنتين وباستناك/ فيبك حبيب الروح/ واقف على مرساك/ يا مركب البندر/ الحلو والأسمر/ الورد يتمخطر/ يسري على خدك/ الله من صدك/ يا مركب البندر/ إن كنت باتهجر قلبي وتنساني/ ياذا الحلا قل لي أيش رجعك ثاني/ يا مركب البندر" – من أغنية يا مركب البندر..
أو:
"المي والرملة شاهد على حبي/ نبله على نبله مغروزة في جنبي/ المي و الرمله/ با ذكِّرك بالبحر والليل في صيره/ أخاف عليك الجسر يفلت من الغيره/ المي والرمله/ راحت ليالي السلا أيام ما كنا/ فيها كئوس الطلا العود والمغني/ المي والرملة"- من أغنية المي والرمله
ليس المكتوب باللهجة العدنية وحده ما يشير إلى المدينة في كلمات هاتين الأغنيتين، وإنما أيضاً ما يُبرز حالها بوصفها مدينة المدن (البندر)، وما يشير إلى معالمها مثل البحر والرمل والليل في صيرة.. هذا البندر كان وقتها بمثابة حلم اليمنيين في الداخل المعزول للوصول إليه واللوذ به، فجاءت كلمات أغنية "عدن عدن"، التي لحّنها وغنَّاها الفنان أحمد قاسم، وكُتبت باللهجة الحُجرية الصارمة، التي كتب بها في الفترة ذاتها أيضاً الشعراء الشيباني وسلام وعثمان، حتى إن الكثيرين ظنّوا أن كاتب كلمات هذه الأغنية الشاعر سعيد الشيباني:
"عدن عدن يا ريت عدن مسير يوم/ شا سير بو ليله ما شرقد النوم/ اشتقت أنا كم لي سنين وشاصبِر/ من يوم سرح قلبي أنا ما شقدِر/ مرَّ الغمام قالوا عدن قباله/ لو به جناح شاطير أشوف خياله/ طير الحمام تبكي بنار عذابه/ فوق الجبال تسال عن غيابه/ وجه المليح طلعة قمر على الجاح/ يضوي الصباح من طلعته ويرتاح/ محلى السمر بالليل وعود أخضر/ إن قد نسى قل له لمو تأخّر".
في قصيدة "هَرِّبوا جا الليل"، التي غنَّاها الفنان أحمد قاسم، هي التصاق حميم بالمهجل الفلاحي لمنطقة الحجرية، أداها ابن مدينة عدن بإحساس فارط، بمقدار ما بها من صعوبة التراكيب اللهجوية، وإيقاعاتها الصوتية الخاصة:
"والله ما أروِّح إلاَّ قا هو ليل وأعشي واصبح وبن عمي الليل/ فرحتي يا رب قا ذرينا الحَبْ والجهيش في آب/ هَرِّبوا جا الليل/ المطر يسكب مو يُفيد نصرُب والذئاب تقرُب/ هَرِّبوا جا الليل."
الفنان محمد مرشد ناجي لحَّن وغنَّى في وقت مبكَّر للشاعرين سعيد الشيباني، وعبدالله سلام ناجي، بلهجة ريف تعز الحجرية، أغاني مثل: "يا نجم يا سامر للشيباني، وقطفت لك كاذي الصباح لسلام"، وفي الوقت ذاته غنَّى قصيدة "أخضر جهيش مليان" للجابري، التي كتبها بالتقنية الكتابية ذاتها لدى الشيباني وعثمان وسلام وخصوصيتها،
تقول كلماتها:
"أخضر جهيش مليان حلا عُديني/ بكَّر غبش شفته الصباح بعيني/ يملي الجرار ريق الندى رحيقه/ يروي ضما من ضاع علُه طريقه/ يا ليتنا ظله شسير خلاله/ عند الطريق شا تخبره لحاله/ قلبي كُرِب وزاد من كُريبه/ كيف يصطبر والناس تشوف حبيبه/ لا هو قدر ولا وصل رسوله/ يعطي الجواب كيف الهوى قولو له".
بالمناسبة صار المرموز العُديني -نسبة إلى منطقة العدين الجميلة والقريبة من تعز- مشغلاً في بعض كتابات الشعراء سعيد الشيباني وعبده عثمان للإشارة إلى الخضرة والجمال، فالأول كتب نصه الذائع "من العدين يالله بريح جلاَّب"، الذي غناه أحمد قاسم:
"من العدين يالله بريح جلاَّب/ وإلاَّ سحاب تندي علوم الأحباب/ الناس رقود وأنا الفراش يجول بي/ قلبي احترق لمُ العذاب يا ربي/ ولا لقيت أهلي ولا محبي/ ريح الصِبا بالله عليك تهبي".
والثاني كتب قصيدة يا بدر يا عديني"، التي غناها اسكندر ثابت في الفترة ذاتها:
"يا بدر يا عديني/ جننتني وشليت.. شليت نوم عيني/ من الصباح لونك والسحر في عيونك/ مكتوب على الجفوني.. يا بدر يا عديني".
 
 
 
الشاعر الذي صَهَرَ اليمن بأصوات المطربين!!
(2-2)
ـ كتب: محمد عبد الوهاب الشيباني
استدراك:
في الجزء الأول من هذه المادة، سقط ذكر ثنائية الشاعر الغنائي الراحل أحمد رحيم بو مهدي والفنان الراحل محمد صالح عزاني، في سياق رصد الثنائيات، التي تشكّلت داخل المشهد الغنائي اليمني المعاصر، ومثّلت هذه الثنائية خصوصية مهمّة، سنحاول مقاربتها في كتابة مستقلة.
(**)
اشتهر فنان كمحمّد سعد عبدالله بتأليف كلمات أغانيه وتلحينها وأدائها، وقليلاً ما كان يستعين بكتاب قصائد لهذا الغرض؛ هذا الأمر اختلف مع الشاعر أحمد الجابري حين قام بن سعد بتلحين وأداء بعض نصوصه، ومنها قصيدة "حبُّوب" باللهجة العدنية الصرفة، تقول كلماتها:
"ليش استويت حسَّاس أكثر من اللازم/ من شان كلام الناس تصدّ وتخاصم/ من كلمة تزعل زعل تجرح شعوري دوب/ لكن مهما حصل باقول عليك حبّوب/ الغيرة قتالة با تتعب أعصابك/ تسخى بنا واحنا والله ما نسخى بك/ ما لي غِنى عنك باعيش أنا أهواك/ مهما حصل منك العمر ما بنساك".
وغنى له قصيدة "من زمان"، التي تقول بعض كلماتها:
"من زمان اشتي أقلك.. بس خائف من زمان/ كنت ناوي اشتكي لك.. أشتكي غدر الزمان/ والتقينا صدفة في نفس المكان/ بعدها حسيت بقربك.. في وجودك بالأمان/ أنت ياللي كنت أحلم.. من زمان أني أشوفك/ كنت متأكد بأنك با تجي.. وأعرف ظروفك".
وعلى ذكر النصوص العدنية الرائدة للشاعر أحمد الجابري هناك نص "خصامك زاد"، الذي لحَّنه وغنّاه الفنان أحمد قاسم، في وقت مبكّر، ولم يزل الكثير من المتلقين يظنُّونه للشاعر الراحل لطفي جعفر أمان، بسبب سبكته العالية بطرائق اشتغالات لطفي الغنائية بذاتها، وتقول بعض أبياته:
"خصامك زاد ومش معقول نعيش في خصام كده على طول/ ذا مهما كنت أنا الغلطان برضه عليك تتحمّل/ وتنكر حبنا اللي كان وترجع ثاني زيَّ أول/ تفكر ايش بس با تكون نهايتنا/ ما دام الحبّ كله خصام يجرحنا".
على كثر نصوص الشاعر أحمد الجابري، التي لحّنها وغناها الفنان محمد مرشد ناجي بعديد لهجات، منها "البدوي والصنعاني واللحجي والعدني"، تبقى نصوص مثل: "على امسيري" و"شي لله" و"يا غارة الله"، من أجود النّصوص التي عززت من تجربة المرشدي الغنائية:
"على أمسيري على أمسيري ألا بسم الله الرحمن/ على أمسيري على أمسيري ولا مؤذي ولا شيطان/ على أمسيري على أمسيري تخطي في درج أهلش/ ألا يا مرحبا بش وباهلش وبالجمل ذي رحلبش/ فرشنا أموادي بالريحان ومن أجلش سرينا ليل على صوت الفرح والدان/ ألا حيا ملا الوديان".
هذا النص بخصوصيته البدوية صار بعد لحنه العبقري وبصوت المرشدي واحدا من العلامات البارزة في الغنائية اليمنية المعاصرة، ولا يمكن أن يمر مروراً عابراً في أذن المتلقي في أول استماع له، مثله مثل نص "شي لله" بخصوصيته اللحجية، الذي تقول كلماته:
"ما لك كذا يا هَلي يا نور وصلك غِلي/ غلِّيت وصلك علَي يا بوي أنا شي لله/ قلبي مولع بكم ليش تقطعوا حبلكم/ والود باقي لكم يا بوي أنا شي لله / مش هكذا يا حبيب الهجر هذا صُعيب أصبحت زي الغريب يا بوي أنا شي لله".
بعد مرحلة التعاون المبكّرة بين الجابري والفنانين أحمد بن أحمد قاسم ومحمد مرشد ناجي طيلة فترة الخمسينات والستينات (منذ كان طالباً في القاهرة في مراحل دراسية مختلفة بين 1953- 1966)، بدأ التعاون بينه وبين الفنان أيوب طارش عبسي ابتداء من مطلع السبعينات، وتحديداً بعد انتقاله من مدينة عدن إلى مدينة تعز حين عمل في البنك اليمني، ثم في شركة هائل سعيد، في ابتداء من 1972، قبل انتقاله إلى الحديدة، وتالياً سفره إلى السعودية للعمل في شركة تجارية في العام 1982م.
أثمرت هذه العلاقة عن الكثير من الأغاني، التي وسمت تجربة أيوب بعيداً عن الهيمنة الفضولية، ومنها أغنية "خذني معك":
"خُذني معك ويا حبيبي شتبعك خذني معك / خذ من عيوني ما تشا شافديك بروحي يارشا/ كيف شفرقك وانت الذي ساكن بقلبي والحشا خذني معك / ولّعت قلبي بالهوى واضنيتني في ذا الجوى هالك بحبك ما عليك ظامي حبيبك ما ارتوى خذني معك/ اسقيني من روحك حنان وازرع بأيامي الأمان يا من بقربك أحتمي واسعد بأيامك زمان خذني معك/ ورد الصباح في مقدمك أسفر بنوره مبسمك ضوَّى وصبَّح بالرضا أيما تروح الله معك خذني معك".
مثل هذه الكلمات البسيطة، واللحن السلس والطرب، جعل تلقف الأغنية مرتفعاً، حتى إن فِرق تبشيرية أعادت، قبل سنوات عديدة، توظيف الكلمات في سياقها اللحني، وتوجّهت بها إلى مستهدفيها الدينيين، في فعل أحدث جدلاً كبيراً وقتها.
تلازمت هذه القصيدة بقصيدة أخرى في التعاون "الجابري الأيوبي"، وظهرت معها في الفترة ذاتها تقريباً، وهي قصيدة "أشكي لمن":
أشكي لمن وانجيم الصبح قلبي الولوع / لا رق لقلبي ولا جفت بعيني الدموع / من يوم غاب خلي وعذابي أنا / والشوق ذايب بقلبي بحنايا الضلوع أشكي لمن/ كم قرَّح السُّهد جفني واعتراني الضَّنا والهجر في الحب بلوى والتعب هو لنا".
لكن تبقى قصيدة "ضاعت الأيام' علامة مهمة ورائدة في هذه العلاقة.. فهذه القصيدة بسبكها الفني، وشجوها العالي، ذهبت بالمتلقين إلى الاعتقاد بأنها إحدى الدرر الفضولية في علاقة التعاون بين الفضول وأيوب:
"أيش معك تتعب مع الأحباب يا قلبي وتتعبنا معك/ لا الضنى يروي ظمأ روحي ولا الدنيا بعيني توسعك/لا متى باصبر وانا أجري وراء حبك أطيعك واسمعك/ ايش بقى لي في الهوى غير الشجن زادي يلوعني معك".
من اللون التعزي بخصوصيته الحجرية غنى له أيوب عديد قصائد، ومنها قصيدة "هوى الأيام":
"يا صبايا فوق بير الماء والدنيا غبش/ من يُسَّقي بالهوى قلبي ويروي لي العطش/ لجل روحي ترتوي بالحب رشني رشش/ واسكبين العطر من قطر الندى حالي الورش/ يا هوى الأيام يا عمري ويا ذوب الشموع/ ما ظما مثل ظما روحي ولا مثلي ولوع/ لملمين الشوق من قلبي ومن بين الضلوع/ لا ظمي شارويه من حُبي وأسقيه الدموع".
وغير بعيد عن أيوب، هناك الفنان عبد الباسط عبسي، الذي غنَّى له رائعته "اشتي اسافر":
"اشتي أسافر بلاد ما تعرف الا الحب/ العيش فيها وداد والبعد فيها قرب/ أينه شلاقي بلاد ما تعرف الا الحب/ ليل المفارق طويل ويا تعب حالي/ لو قلت شاشكي لمن من كيد عذالي/ يا عين كفي الدموع ما للهوى وما لي"
الفنان الراحل محمد صالح عزاني غنى للجابري رائعته "ناقش الحِنَّه"، التي تحيل إلى اللون اللحجي الراقص:
"شفته ناقش الحِنَّه يا بوي من فنه/ طاير من الجنه شفته ناقش الحنّه/ سبحان من صوَّر كنه قمر نوَّر/ لابس حرير أخضر شفته ناقش الحنه/ حالي الرنا أدعج لا شي غَدَر سرَّج/ يضوي ويترجرج شفته ناقش الحنه". صارت هذه الأغنية بمرور الوقت، وبأصوات فنانين مختلفين، عنواناً للأعراس والأفراح في مناطق يمنية مختلفة.
هناك بعض النصوص، التي كتبها الشاعر الجابري باللهجة الحضرمية، ومنها نص ظهر في مجموعته "عناقيد ملونة"، اسماه "أمره إلى الله"، لم اهتدِ لملحنه ومؤديه، تقول بعض كلماته:
"أمره إلى الله شرع الحب ما نبغاه/ إن هو يخون الوفاء أو ينكر العشقه/ كيف با يكون الهوى والبعد والفرقه/ لا صبر لي يعرفه لو حد يتعداه/ أمره إلى الله شرع الحب ما نبغاه".
(*)
القصائد الوطنية العديدة، التي كتب كلماتها الشاعر أحمد الجابري، ووجد بعضها طريقاً إلى نوتات الملحنين وحناجر المطربين والمنشدين، تشكل حالة أخرى للقراءة والتتبع في هذه التجربة الثرية؛ ومن هذه النصوص "لمن كل هذه القناديل تضوي لمن"، التي لحنها وغناها الفنان أيوب طارش عبسي:
"لمن كل هذي القناديل تضوِّي لمن؟/ وهذي المواويل في العُرس تشدو لمن؟ أللأرض عاد لها ذويزن/ فعاد الزمان وعادت عدن/ لمن؟ لمن؟ لأجل اليمن".
ودائماً ما تستوقفني الأنشودة الجميلة، التي لحنها وأداها الفنان عصام الخليدي مع تباشير الوحدة، التي تقول كلماتها:
"صباح الخير يا وطني.. بكَ الأرواح لم تهنِ/ فأنتَ الحُبُّ في صنعاء.. وأنت الشوقُ في عدن/ إذا غنِّيت في ولهي.. أعاد الرجعَ ذو يزن"
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.