ـ كتب: جابر علي أحمد 
1
كثيرون ممن يعتبرون أنفسهم جديرين بالتنظير الموسيقي في اليمن تعوزهم القدرة على تحليل الظواهر الموسيقية تحليلا منهجيا مستمدا كينونته من طبيعة المجال الموسيقي لماذا ؟ يبدو أن الأسباب كثيرة: منها ما يتعلق بالتوجه العام الذي ترسمه الدولة ومنها ما يخص العاملين في الحقل الموسيقي.  
كان الفنان محمد مرشد ناجي   - رحمه الله - يشكو من ظاهرة تفضيل الدارسين اليمنيين في المؤسسات التعليمية الموسيقية العربية للتخصص في دراسة العزف على الة  العود . وكان من رأيه ضرورة الاهتمام بقضايا البحث الموسيقي عطفا على الفراغ المقيت الذي تعاني منه اليمن في هذا الجانب ، ما أدى إلى حالة الارتهان لأمية موسيقية يندى لها الجبين . ففتح باب البحث الموسيقي من شأنه التأسيس لحالة فكرية موسيقية تقود إلى ولوجنا ميدانا مازلنا نفتقده حتى الآن . وهو أمر معيب حقا ، خاصة وأن اليمن تتمتع بتراث موسيقي ثري على الصعيدين الشعبي والتقليدي.  
ومن باب تلمس الموقف الرسمي من هذه القضية أتذكر أنني سجلت بعد الحصول على البكالوريس في قسم الدراسات العليا تخصص ميوزيكولوجي في كونسرفتوار القاهرة . وعندما جئت إلى اليمن لمتابعة موضوع منحة دراسات عليا عرضت على وزير الإعلام والثقافة ما يثبت التحاقي بهذا القسم . على أن رده كان بأن وجه إليّ هذا السؤال : وهل أنت مجنون حتى تلتحق بقسم الدراسات العليا في الموسيقى ؟ نزل علي السؤال كالصاعقة  حدث هذا عام ١٩٨٤ في ما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية . وبعد هذا الموقف تمتمت ببيت للشاعر الكبير الفقيد عبدالله البردوني من قصيدة ( إلا أنا وبلادي ) :
 ذاك حظي لأن أمي سعود وأبي مرشد وخالي قمادي
2
في اطلالتي السابقة ناقشت هذا الموضوع من زاوية علاقة المستوى السياسي الحاكم بحالة انعدام الفكر الموسيقي . وذكرت بأن للمسألة أيضا علاقة بالعاملين في المضمار الموسيقي . ذلك أن أي إنتاج فكري موسيقي لا بد أن يكون امتدادا لنشاط ذوي الاهتمام . بيد أن هذه الفئة بعيدة - مع الأسف - عن ما يعتمل في الحياة الفكرية من أنشطة نوعية هادفة إلى تجذير المعارف الموسيقية، حيث يبدو أن عادات تشكلت في وجدانها رمت بها (أقصد الفئة) بعيدا عن الانشغالات الفكرية، علما بأن النشاط الموسيقي هو أصلا نشاط ذهني . وبموجب تلك العادات باتت هذه الفئة لا ترى في الانشغالات الفكرية الموسيقية إلا نوعا من الترف الذهني الذي لا يعنيها ، وهي أكثر تماهيا مع النشاط الصحفي الذي ترى فيه نافذة تطل منها إلى الشهرة والمال .وحتى ذلك النفر من الموسيقيين الذين احرزوا درجات علمية في الموسيقى توقفت جهودهم عند تحقيق ذلك الهدف ، مع أن الواجب الوطني والعلمي والأخلاقي يقضي بضرورة استمرار جهودهم البحثية لإماطة اللثام عن ما خفي من أسرار المعارف الموسيقية . ولكن السؤال يبقى : لماذا اهتمام الفنانين بالصحافة غطى على الانشغالات الفكرية ؟ يبدو أنهم يجنحون إلى ذلك لاعتقادهم بأن الصحافة تقوم بتلميعهم وتسويقهم على نحو يجعل منهم نجوما في المجتمع بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمونه . وهذ النهج يتعارض مع سلوك الفنانين الحقيقيين . لأضرب مثلا : كان إسحاق الموصلي فنانا بارعا بالمعنى الحرفي للكلمة ، ولكنه كان أيضا مؤرخا موسيقيا ولغويا وفقيها ضليعا وشاعرا . ولذلك أطلق عليه الكاتب الفرنسي ( سيمون جيرجي ) بالموسيقي الشامل . أما اليوم فأصبح الفنانون مجرد ظواهر إعلامية تلمع وتبهت تبعا لمجريات وتقلبات الصحافة . ولهذا تعالت أصوات المغنيين وانعدمت جهود الباحثين الموسيقيين مما كان له شديد الأثر السلبي على ما يسمى ب (أدب الموسيقى) ) 
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.