الفنان  جابر علي أحمد : لا يوجد الآن فنانون بالمعنى الجمالي المتعارف عليه    


ـ حاوره : محمد سلطان اليوسفي 

 

الفنانون وحدهم القادرون على هزيمة الموت بأصواتهم التي تبدد سأم الواقع ، وتكسر رتابة الوضع المعاش ، وفي حضرة الفنان جابر علي أحمد سيكون لهذا الحوار لون آخر ، حوار مفعمٌ بألقِ الإبداع ، و متشح بالبهاء ..  

الفنان جابر علي أحمد الأسطى من مواليد  مدينة الحديدة1952 م  ، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي فيها ، ومن ثم درس الفلسفة بجامعة دمشق ، ودرس الموسيقى في المعهد العالي بالقاهرة ، تعين في العام 1993م نائبا لمدير عام معهد الفنون الجميلة بعدن ، وفي عام 1997 مديرا عاما لمكتب الثقافة بمحافظة صنعاء ، وتعين في العام 2011م مستشارا لوزارة الثقافة لشؤون التراث الموسيقي ، غنى من ألحانه فنانون يمنيون وعرب ، ومثل اليمن في العديد من المحافل الفنية العربية ، من مؤسسي مركز التراث الموسيقي اليمني ، له العد يد من المؤلفات والأبحاث في مجال الفن والموسيقى ، ومنها : "حاضر الغناء في اليمن" و" تيارات تجديد الغناء في اليمن " و كتاب " من المشهد الموسيقي اليمني " ، وكتاب  " الموشح اليمني النشأة والخصوصية " 

نرحب  بضيفنا الفنان والباحث الموسيقي جابر علي أحمد ، أهلا ومرحبا ، وإلى الحوار :   

 

 

ـ بداية حوارنا ستكون من البداية ، ترى من أين كانت الانطلاقة الأولى لمشوارك الفني أستاذ جابر  ؟

كانت البداية من المدرسة .  

 

ـ بداية مبكرة مع الفن ، ما هي العقبات التي واجهها فنانا القدير جابر علي أحمد خلال مشواره الفني ، لاسيما في مرحلة الانطلاقة ، والتي عادة ما تكون محفوفة بالصعاب  ؟

عندما كنت هاويا ليس ثمة مشكلات صادفتني ، خاصة وإن أخي الأكبر كان يمارس الموسيقى عزفا وغناء .

 

ـ ما نقاط التحول في حياتك الفنية وكيف ، كان ردة فعل وسطك الاجتماعي حول انخراطك في هذا المجال ؟

انخرطت في الحياة الفنية بتأثير أخي الأكبر ، وبعد ذلك وجدت في المدرسة مجالا خصبا للممارسة الغنائية على أن مدينة عدن كان لها الأثر العميق في تعلقي بهذا الفن العظيم وتحت تأثيرها ذهبت إلى القاهرة لدراسة الموسيقى .  

 

ـ أبرز الشخصيات الموسيقية والفنية التي تأثرت بها ؟

تأثرت بفنانين يمنيين وعرب وأبرزهم الفنان محمد مرشد ناجي والفنان أحمد قاسم  ، والفنان أحمد علي مروعي ، وعربيا تأثرت بكثير من فناني الأفلام الغنائية .  

 

ـ اشتركتَ بالعديد من لجان التحكيم في مسابقات وبرامج تشجيعية للمواهب ، ما دور هذه المسابقات  في تأطير التراث وكيف يمكن الاستفادة منها أكثر ؟ 

 

نعم اشتركت في مثل هذه الفعاليات التي كان من الممكن أن يكون لها شأن في تحريك مياه الموسيقى ، ولكن في ظل غياب الروافع اللازمة لحراك موسيقي حقيقي فإن الأصوات الواعدة ما إن تظهر حتى تختفي وهذه مأساة .  

 

ـ "حاضر الغناء في اليمن" هذا عنوان  لأحد الكتب التي ألفتها ، فكيف ترى حاضر الأغنية اليوم ؟

الغناء اليوم كباقي مفردات الحياة بمعنى أنه ليس هناك مقومات  لحياة فنية حقيقية من شأنها إفراز رؤى واتجاهات يتمخض عنها حراك فني يملأ الدنيا أنغاما جميلة .  

ـ هل يمكن القول أن التردي الحاصل اليوم في الساحة الفنية يعود إلى تردي الأوضاع على كافة الأصعدة ؟ نعم 

 

ـ أستاذ جابر بصفتك واحد من المؤسسين الأوائل لمركز التراث الموسيقى اليمني ، ما هو الدور الذي يقوم به هذا المركز ؟

للمركز أدوار متعددة منها ما يتعلق بالجمع والمسح والتصنيف والأرشفة ومنها ما يتعلق بإحياء التراث الموسيقي الشعبي والتقليدي ، ومنها ما يتعلق بتنشيط الحياة الفكرية التراثية الموسيقية ، طبعا هذه عناوين عامة يندرج تحتها عناوين متفرعة كثيرة . 

 

ـ تردي الذوق العام وماهية الأسباب التي تقف خلف ذلك ، ما رأيك في ضياع الهوية اليمنية في الفن واكتساح الأغاني العربية أعراسنا ويومياتنا مع أن الفن اليمني أساس الفن العربي ومصدره ؟

تردي الذوق العام ظاهرة ملموسة منذ ثمانينيات القرن المنصرم وأهم الأسباب تكمن في تغييب مؤسساتنا التربوية والإعلامية عن دورها في هذا الميدان ، ويأتي اكتساح النماذج الغنائية العربية الشائعة كمحصلة لذلك التغييب ، حيث أن التفضيلات الجمالية تكون محصلة تربية جمالية .  

 

ـ من خلال متابعتك للوسط الفني ، هل هناك أصوات واعدة بين الفنانين الشباب ، يمكن أن نعول عليها في إعادة مجد الأغنية اليمنية  ؟

إعادة مجد الغناء في اليمن أو في أي مكان آخر لا يأتي من خلال الأصوات الواعدة فقط وإنما يأتي عبر توفير شبكة تأهيل موسيقي يبدأ من المدرسة ولا ينتهي عند حد معين . 

 

ـ عشرات الأغاني اليمنية غناها فنانون خليجيون وعرب دون الإشارة إلى أصحابها ، في نظرك ما هو سبب هذا السطو ؟

أسبابه كثيرة على أن أهمها كما يبدو لي غياب الوعي القانوني بحقوق الملكية الفكرية أو التغاضي عنها عند مجتمعات لا تحترم القانون . 

 

ـ برأيك في المقام الأول على عاتق من تقع مسؤولية الدفاع عن هذه الأغاني ؟

تقع على عاتق المؤسسات الثقافية الرسمية منها والمدنية .  

 

ـ تشنفت أسماعنا بالعديد من أغانيك الرائعة ، ولكن كانت الأغنية الوطنية تطغى على الأغنية العاطفية ، ما السر وراء ذلك ؟

مشكلة المصطلحات الموسيقية في بلادنا تؤرقني كثيرًا ؛ لأنها لم تتأسس على قواعد معرفية ، وعليه فأنا لا أتصور بأن مصطلحي الأغنية العاطفية والأغنية الوطنية صحيحين ، وعلى كل حال بالعودة إلى السؤال أقول بأن اهتمامي بالأغنية ذات الدلالة السياسية جاء انعكاسا لنشاطي السياسي في فترة حياتي الدراسية واستمر كثمرة انحيازي الفكري لقضايا الإنسان .. لن أدخل في التفاصيل الفنية لهذا النوع من الغناء . 

 

ـ على ذكر الأغنية السياسية ، قيل أن أغنية "إلا أنا وبلادي" ، منعت في فترة من الفترات من التداول ، ما صحة هذا القول ؟

هذا ما فهمتُه من المتعهد بنشر الكاسيت في بداية الألفية . 

 

ـ الإبداع الفني والثقافي ، وكذا الفكري يحتاج إلى مساحة واسعة من الحرية وكسر القيود العميقة له ، كيف نحصل على ذلك بطريقة منهجية جماعية واكتشاف المواهب ؟

الحرية هي الإطار العام لأي نشاط إبداعي على أن هذا المبدأ لا يتحقق إلا في بيئة يعيش أصحابها شروط اللحظة ، وعلى كل نحن بعيدون جدا عن هذه الحالة . 

 

ـ كيف سيكتشف الطفل الموهوب ويصقل من المدرسة والروضة واليوم المناهج أفرغت من هذا الربط الوثيق بين التعليم والتربية والعمل الإبداعي  ؟

التربية في عدن قبل الوحدة كانت في أزهى حالاتها ، وأنا لا أقول هذا انفعاليا وإنما عبر زيارات قمت بها لبعض المدارس الأساسية في أواخر سبعينات القرن الماضي ، هذه الحالة لا أعتقد تكرارها في المدى المنظور . 

 

ـ الفنانون رسل سلام ، فماذا تقول لأولئك الفنانين الذين صاروا مشاركين بأصواتهم في قرع طبول الحرب الدائرة ؟

لا يوجد الآن فنانون بالمعنى الجمالي المتعارف عليه بقدر ما توجد أبواق تكرر ما يُتلى عليها ، وهذه هي إحدى مشكلات الممارسة الموسيقية الآن . 

 

ـ ما هي الرسالة التي يجب أن يقدمها الفنانون  في ظل الأوضاع التي تمر بها بلادنا ؟

 

بلادنا تمر بأزمة غير مسبوقة وفي ظلها يصعب على أصحاب الرأي الآخر ـ إن وجدوا ـ أن يقدموا ما يرونه ، إلا عبر قنوات خاصة ؛ ولهذا يبقى تأثيرها محدودا وفي هذه الحالة قد يكون الصمت أبلغ من ملايين الخطب .  

 

ـ ماهي المنافذ أو السبل التي يمكن من خلالها إنعاش العمل الإبداعي والفني (مسرح ، وغناء..)؟

 

قال قديما المفكر الصيني كونفوشيوس : إذا أردت معرفة مقدار حظ أي شعب من الحضارة فاعرف موسيقاه . ففي ظل الحضارة تتأمن المنافذ اللازمة لحيوية موسيقية شاملة .  .

ـ أستاذ جابر ما الجديد لديك سواءً فيما يتعلق بالأغنية ، أو الجانب البحثي ؟

آخر عمل لحنته وغنيته يحمل عنوان لم تأتِ بعد حبيبتي ، والقصيدة من كلمات الشاعر إسماعيل مخاوي ، أما عن آخر بحث نشرته ففي مجلة البحث الموسيقي التي يصدرها المجمع العربي للموسيقى والبحث بعنوان الموشح اليمني النشأة والخصوصية . 

 

ـ هل هناك  مشاركات فنية قمت بها في بلدان عربية ، ومثلت اليمن فيها ؟

هناك مشاركات كثيرة خارج الوطن كبعض الأسابيع الثقافية التي كانت تنظمها وزارة الإعلام والثقافة إلى جانب ندوات ومحاضرات وورش عمل أحضرها بدعوات خاصة وكان آخرها ورشة عمل فنية في سلطنة عمان قبل عدة أشهر .  

 

ـ ماذا عن الفن لدى المرأة اليمنية ؟

كان حضور المرأة اليمنية غنائيا في عدن منذ ستينيات القرن الماضي حيث عرفت الساحة الغنائية الفنانة صباح منصر والفنانة فتحية الصغيرة ، وبعدها الفنانة كفى عراقي  والفنانة أمل كعدل وهذا على سبيل المثال .  

 

ـ كنت المنسق العام لمشروع اليونسكو للحفاظ على الأغنية الصنعانية .. ما هي أبرز مخرجات ذلك المشروع ؟

كان هذا المشروع هاما على وجه الخصوص مكن مركز التراث من الوقوف على معظم الألحان التراثية ، وقام المركز بعد ذلك بتصنيف وأرشفة هذه المواد بحيث أنها باتت جاهزة للاستفادة البحثية والدراسية ، معظم الألحان التراثية التقليدية من مراجع ومكتبات عامة وخاصة .   

 

ـ كلمة أخيرة تحب أن تقولها أستاذ جابر ؟ 

أشكر لكم هذا الجهد الرائع وأمنياتي لكم بمزيد من التوفيق ..  

 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.