المرشدي.. عبق الموسيقى
كتب: علي أحمد الأسدي
إضافة إلى موهبته الفذة التي صقلها بالتجارب والخبرات ومعتركات الحياة.. فقد تزود بثقافة عالية لتكون له مكانته الرفيعة التي عرف بها كواحد من أعلام الفن والثقافة. غاص في بحور فن الموسيقى والغناء ليلتقط أجمل لؤلؤآته، ثم يسكبها ويصقلها فتنساب من بين أنامله وعبر أوتار عوده نغمات متلألئة أخاذة، ويصدح معها صوته العذب الندي طربا يحاكي الجمال في أروع صوره ومعانيه.
فنان عملاق .. تناول بعناية فائقة كل ألوان أغاني تراثنا الزاخرة بالحياة والفن .. هذبها وأعاد لها عنفوانها وأصالتها اللحنية في صياغة متطورة, ولم تقتصر أعماله الإبداعية على الألحان والأغاني العاطفية .. بل وضع أيضا ألحانا وطنية
رائدة واكبت التطلعات الوطنية لكل مراحل نضالاتها وبطولاتها .. غناها وغنتها معه جماهير الشعب متفاعلة بشحنات الوطنية المزمجرة "أنا الشعب زلزلة عاتية" وتردد الجماهير: "أنا الشعب".. وهو لذلك فنان الشعب الأستاذ الموسيقار
"محمد مرشد ناجي " رحمه الله.
هذا الفنان العبقري المثقف المتفاني في حب وطنه وشعبه .. بادر وألَّف كتابين عن فن الموسيقى والغناء في بلادنا .. وهي مبادرة لم يسبقه إليها أحد من أقرانه أو معاصريه. لقد أسهم في إثراء المكتبة الثقافية عن فن الموسيقى.. كما أثرى المكتبة الموسيقية بروائع الألحان.. وحينما شدا الفنان السوري الكبير الراحل" فهد بلان " بلحن "المرشدي" (يا نجم يا سمر) من كلمات الأديب الشاعر "سعيد الشيباني" عبر المرشدي بفنه إلى كل البلاد العربية ليعرف بقدرات المبدع اليمني .. وفيما بعد قدم فنانا "أبو علي" لفنان العرب "محمد عبده" أغنيات من أجمل أغاني تراثنا وأشرف على توزيعها موسيقيا،
لتكون على ذلك الأداء الجميل الذي أكد تفرد نكهة هذا النوع من الغناء.
بقدر ما تمتع به فنانا الكبير من عبقرية موسيقية وثقافية عالية، كان يتمتع أيضا بأعلى مراتب الصفات الإنسانية.. فقد عرف متواضعا .. مرحا.. صادقا.. شجاعا في مواقفه وآرائه.. ودودا يقدم النصح والأفكار الناضجة الراقية بكل تفان وحب. ولكنه بذل جهودا ليكون لفن الموسيقى والغناء في بلادنا المكانة اللائقة ..حيث كان لديه يقينا أن أغاني تراثنا ستحتل مكانة مرموقة لو أتيح لها الأداء كما يجب ..ومن أجل هذا فقد تبنى ـ وكان يشغل موقع وكيل وزارة الثقافة والإعلام عام 1981ـ الإعداد والإشراف على قيام "مهرجان الموشح اليمني" الذي خرج بمحصلة كبيرة من البحوث والمحاضرات والأعمال الغنائية التراثية الموشحة، ذات القيمة الإبداعية العالية.
جمعتني بهذا الفنان العملاق لقاءات كثيرة خاصة بعد استعادة الوحدة المباركة، حيث أتيحت لنا لقاءات أكثر.. وسافرنا معا إلى خارج الوطن في مهام فن وثقافة وتوطدت بيننا صداقة حميمة أفتخر بها وأعتز .. فقد استمديت من أفكاره وتجاربه وفنه الغزير ..ولم يبخل بتوجيهاته وتشجيعه لي والوقوف إلى جانبي وأنا في مرحلة تلمس طريقي في مشوار الفن...
وهذه الإطلالة المتواضعة لم تتيح لي الحديث كما أريد عن هذا الأستاذ الموسيقار الرائد الذي سيبقى نجما متلألئا موسيقاه في سماء الفن ..والإنسان الذي سيبقى ذكراه عطرة ..عابقة بالموسيقى والذكر الطيب.