ـ كتب: عبد الرحمن بجاش
 
دعونا ننهي عام الوجع بالجمال ...جمال صوت ، جمال كلمة، جمال البحر والشاطئ ،جمال المحيط وأعماقه.. 
مرة واحدة تجرأت وكتبت عن أبوبكر...لأنني قبلها تهيبت ألا أقتراب منه ؛ اذ هو يشبه جبل مطران أو جبل قدس كما يطلق عليه " فاضل الربيعي " ، كلما اقتربت منه علا وسما.. 
قلت فيما كتبت عنه : أبوبكر مات في اللحظة الخطأ ...وهذا صحيح ، أذ لم أدرِ ولم ندرِ هل نلملم وجعنا أو نعزي أنفسنا بوفاة أبوبكر ونحن نموت كل يوم 
أبوبكر سالم بلفقيه ، شيء واحد وحيد أخذته عليه وهو أنني كمتذوق ، كمتابع ، كواحد من جمهوره العريض فلم يعجبني ولا مرة واحدة شكلا عندما كان يظهر بالدشداشة والعقال ، ولن أترك لقصار النظر فرصة ، فلا يعني هذا أنني أكره الإنسان الخليجي ، لا ..كلما في الأمر أن الدشداشة والعقال لا ينتميان إليَّ …كذلك فأمر اللبس شأن شخصي فهو كذلك ...لكن الفنان كان ولا يزال ملكنا
هذه الأيام أدمنت على سماعه أبوبكر، كل يوم وخلال النصف ساعه المقدسة من الثانية إلى الثانية والنصف بعد الظهر ، أصغي إليه بحواسي ،والأغنية لحظة سماع ، تأتي لحظة فتتماهى معها ، تأتي لحظة أخرى فكأنك تسمع " ضرجحة اتناك " ، والضرجحة من وحي ما قاله الفضول لصديق له في لحظة غضب " أينك يا …..ما تأتيش عندنا الايام تضرجح " !!!, قال فلان وكان يذهب إليه ليدندن: تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني " أنا أضرجح اتناك " ، لم يظهر على الفضول إلا يوم جنازته ، قال : شجعت نفسي وقلت لحظتها همسا : سامحك الله يا فضول.. 
مع هذا وذاك يظل أبوبكر شيئا آخر ..نكهة أخرى ، صوت آخر، كلمة أخرى ، دندنة وتر لا تنتهي سوى في أفق البحر حيث اللآلئ والصدف.. 
كلما أسمع وأنا أسمع اللحظه " لو خيروني " فأنا أختار الذهب ...أختار صوت أبو بكر العميق ، كلمات ذلك الذي تبتل أياما وسنين هناك قرب الصخور التي تؤوب إليها كل مساء موج المحضار المسافر…
أغنيته الآن وقد تأخرت عمدا في كتابة عمودي ، أسمعها كصوت الموج يذهب ويأتي ...يتنوع صوته كما صوت المد والجزر.. 
لا غيره أبوبكر يأخذك إلى العمق ، وبنفس سرعة الغوص تصعد وترتفع حتى قمة الاحساس 
الأغنية إن لم تشلك وتعيدك فليست بأغنية ...والوتر الذي لا يجعل قلبك يدندن بالاشتياق والشجن فليس بوتر بل حبل من ذلك النوع الذي تقود به الخراف. 
لا متى يغدر الليل والسفر يطول بك إلى الديار
لا متى تظل تسافر في أعماق الطيبين  وهفهفة أجنحة النوارس مغتربة مهاجرة بينك وبين مدى البحر
دون يا قلم دون :لو خيروني ..لاخترت أبوبكر.. 
لله الأمر من قبل ومن بعد.  
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.