ـ كتب: أمين درهم
الإنسان اليمني يتذوق الموسيقى ويطرب لها واليمن تزخر بكثير من الفنانين المبدعين منذ القدم
ومن خلال حسابي في الفيسبوك سأقدم بعض المعلومات المختصرة عن رواد الأغنية اليمنية التي يتفق الكثير على إنها أساس الموسيقى في منطقة الخليج والجزيرة العربية، بل ذهب بعض الباحثون إلى أنها تجاوزت الحدود الخليجية إلى ما هو أبعد مثل انتشار الأغنية والايقاع اليمني في بلاد المغرب العربي، وبعض من بلاد الشام، وقد أكد على ذلك في أكثر من بحث موسيقي قدمه باحثون من الوطن العربي، ومن أجل استعادة الذاكرة الفنية، والعودة إلى فترة الخمسينيات، حين كانت مدينة عدن تحتضن كل ألوان الفنون وتستقبل الفنانين والنجوم من مختلف الدول العربية،
وبمناسبة مرور الذكرى العاشرة لوفاة الفنان خليل محمد خليل ستكون اطلالتنا عنه وعن أعماله الفنية فا الفنان المبدع ابن الناخوذة خليل محمد خليل هو صاحب أغاني : (حرام عليك تقفل الشباك)- كلمات الدكتور محمد عبده غانم وألحان الفنان خليل محمد خليل و (سبحان من سواك يا زين) و(أحبك يا غالي) كلمات أحمد شريف الرفاعي تلحين وأداء: خليل محمد خليل وأغنية (يا اهل الهوى) و(الوردة الحمراء) وغيرها الكثير.
بداية معرفتي بالفنان خليل محمد خليل كانت في عام 1956م عندما اصطحبني الفنان أبوبكر فارع زميلي بمدرسة البادري بعدن إلى مبرز ( ديوان) محمد سالم علي عبده بجانب فندق (احسان الله) حيث كنت أسكن بجوار المبرز الذي يبعد عنه أمتار.
وعندما دخلنا (المبرز) رحبوا بنا أجمل ترحيب وقدمني زميلي أبوبكر إلى رواد المبرز بأني طالب في نفس مدرسته وساكن بجانب عمارة المبرز، وكان رواد المبرز شخصيات لم أرهم من قبل ولهم ثقلهم في المجتمع العدني وهم الأستاذ محمد عبده غانم وكيل التربية والأستاذ خليل محمد خليل مدير السجن العام والأستاذ الشاعر محمد سعيد جراده والفنان محمد مرشد ناجي والفنان سالم با مدهف والأستاذ محمد سالم علي عبده صاحب المبرز والأستاذ عبد الله خليفة كادر حكومي وغيرهم.
كان المقيل مليء بالأحاديث المتفرقة من السياسة والشعر والنكتة حتى أذان المغرب، قُمنا نصلي ورجعنا إلى نفس الغرفة ووجدتها قد تغيرت (180) درجة، حيث دخلت الآلات الموسيقية والعازفين وبدأ بالعزف على العود الفنان خليل محمد خليل وبدأ وصلته الغنائية بأغنيته الشهيرة(حرام عليك تقفل الشباك ) ثم غنى سالم با مدهف ( الزين جزع مرة ) ثم محمد مرشد ناجي غنى (وقفة) وأبوبكر فارع غنــى (ريتك تجي ريتك ) من ألحان أخيه ياسين وكلمات علي أمان..
الأهم خرجت من هذه الجلسة الفنية وأنا منبهر بما شاهدت وانطربت من الغناء والعزف الرائع لفنانين مبدعين مما أثار في نفسي فكرة تأسيس جمعية لطلبة مدرسة البادري الشهيرة وكانت باكورة أعمال الجمعية الاستفادة من مسرح المدرسة حيث كلفتني الجمعية بالإشراف على مسرح المدرسة وبدأت أنا وبعض الزملاء بالعمل على إقامة حفلات فنية جماهيرية على مسرح المدرسة لكي نساهم في اسعـاد الناس وخصصنا ريع الحفلات الفنية لمساعدة الطلاب المحتاجين في المدرسة ليتمكنوا من دفع الرسوم، ومن هذا المسـرح ظهرت نجومية كثـير من الفنانين والفنانـات وعلى رأسهم المرحوم أبوبكر سالم بالفقيه وفرسان خليفة وأحمد يوسف الزبيدي وعبدالكريم توفيق ونبيه عزيم وفتحية الصغيرة وغيرهم كثيرون.
ـ بطاقة تعريفية:
ولد الفنان خليل محمد خليل في كريتر, مدينة عدن, في العام 1917م, وكان والده محمد أحمد خليل يحبه كثيراً ليعوضه حنان الأم التي أفتقدها وهو صغير. يقول الأستاذ خالد صوري في كتابه (خليل محمد خليل.. حياته. فنه.. وعصره), أتم خليل دراسته الابتدائية في مدرسة (الرسيدينسي) في سن الحادية عشرة, كان زملاءه في المدرسة في تلك الفترة الأستاذ يوسف حسين السعيدي, وعلي عبدالله جابر, وعبدالرحيم لقمان, وعبدالله سالم باسودان وحمزة علي لقمان وغيرهم... وكان مدير المدرسة في تلك الفترة الأستاذ عطا حسين
وكان معروفاً عنه بأنه رياضي من الدرجة الأولى وكان مغرماً بلعب الكرة والكريكيت والهوكي. وفي نفس المدرسة أكمل الفنان خليل محمد خليل دراسته الإعدادية والثانوية وتحصل على الشهادة في اللغة الإنجليزية, وكان عمره آنذاك 19 سنة.
بعد تخرجه شغل الميجر خليل أول وظيفة له وهي (كاتب بمكتب الاستشارية) في المكلا في العام 1936م, بمرتب ستين روبية في الشهر.
وفي ديسمبر 1948 , أسس الفنان خليل محمد خليل مع بعض أصدقائه تجمع أُطلق عليه (ندوة الموسيقى العدنية).
وكان من مؤسسي تلك الندوة: خليل محمد خليل, علي سالم علي, الدكتور محمد عبده غانم, وديع سالم حميدان, الشيخ عبدالله حامد خليفة, عبده محمد ميسري, عبدالله بلال وياسين شوالة وغيرهم... وكانت باكورة إنتاجه الفني هي أغنية (يا حياتي) كلمات الشاعر الدكتور محمد عبده غانم, ثم تبعتها ألحان أخرى مثل: (كلام العين, حرام عليك تقفل الشباك) وتوالت بعدها الألحان وكان لها طابع جديد في تركيبها.
تميزت ألحان خليل بالفرائحية والإيقاعية وأخدت مداها في الشغف الشعبي لتصبح نوعاً من الأغنيات المتميزة التي تشكل عنوان للغناء العدني هذا العطاء أهله ليترأس الندوة الموسيقية العدنية حيث وصفه الأستاذ علي أمان قائلآ: إن الفنان خليل محمد خليل هو بلاشك رائد الحركة الموسيقية الجديدة في عدن وإن الكلمات التي ينتقيها لأغانيه لتشع بهذه الروح العدنية الحميمية التي يتحلى بها الأستاذ خليل محمد خليل والتي يجب أن يرتكز عليها فننا الغنائي العدني.
كما قال الأستاذ خالد صوري في كتابه عن شخصية الفنان خليل محمد خليل: «كان خليل أشبه بكتاب مفتوح, سهل في التعامل, ويمتاز بخصال حميدة أهمها الوفاء للأصدقاء, ودائم السؤال عنهم في حال غاب أحدهم. وكان أشد ما يكره الغيبة والنميمة, مهذب خال من العنف والقسوة, وصريح في كل معاملاته مع الناس. من ذكريات خليل الجميلة التي ذكرها الأستاذ خالد صوري في كتابه, بأن والده كان يأمره بأخذ (كتلي) كبير مليء بالقهوة (المزغول) إلى مسجد حسين الأهدل كل ليلة خميس بعد صلاة العشاء لتوزيعها على الحضور.
الفنان خليل محمد خليل كان مثار اهتمام الصحافة المحلية والبريطانية إبان الاحتلال وبعده، إذ كانت شخصية الفنان والعسكري قد برزت، فوصفه الكاتب فاروق لقمان في إحدى مقالاته بـ(طويل جميل ذو ملامح تركية... مشرف السجن يتجه إلى الموسيقي).
لم يكن الفنان خليل قبل وفاته يخفي امتنانه لإذاعة البي بي سي (هيئة الإذاعة البريطانية) إذ أسهمت بشكل كبير في بروزه وبزوغ نجمه الفني، بتسجيل أغانيه أوائل الستينيات، وبعدها في إذاعة جيبوتي.
عام 1994 اتهم الفنان الكبير فنان يهودي بسرقة أغنيته (حرام عليك تقفل الشباك)، وقال إن الفنان اشتهر بسببها. كان ذلك من جملة أشياء يحتفظ بها في أرشيفه الخاص مع حفيده خليل.. عندما أطلق تلك الاتهامات أظهر مؤسس الأغنية العدنية حزنا شديدا «لتجاهل الدولة في اليمن للفنانين وعدم الوقوف إلى جانبهم» وطالبها «بحماية الأغنية من السرقة والسطو». كرمه الرئيس السابق علي ناصر محمد بدرع وزارة الثقافة واطلاق اسمه على شارع الطويلة بمدينة كريتر مسقط راسه.
كما منحه الرئيس السابق / علي عبدالله صالح قطعة أرض صرفت له بمعية مجموعة من الفنانين العدنيين جوار شركة النقل بالشيخ عثمان .
توفي فجر الجمعة 8 مارس 2009م عن عمر ناهز الـ(92 عاما)...رحمه الله وادخله فسيح جناته.
