صباحُ الخير يا وطني
بكَ الأرواح لم تَهُنِ
 
فأنت الحبُّ في صنعاء
وأنت الشوقُ في عدنِ
 
إذا غنَّيتُ في وله
أعاد الرَّجعَ ذو يَزنِ
 
فكنتُ الصَّبَّ.. لا تعجبْ
ومثلي عاشقُ اليمنِ
* * *
هكذا يبتدئ شاعرنا الكبير/ أحمد الجابري حياته صباح كل يوم ، طوال سني عمره المضني ، طوال أيام وأسابيع وشهور هذا العمر الذي أفناه في خدمة وحب هذا الوطن ، الذي لو عرفنا معاني وأحاسيس هذا الحب الوطني الخالص لتمنينا أن يعطينا الله عزّ وجلّ أضعاف عمرنا المحسوب حتى نستطيع أن نعيش هذا الحب العميق الخالص بأحاسيسه ومشاعره المتدفقة هياماً بهذا الوطن الحبيب وأبنائه.
 
 
نعم فقصة حب هذا الإنسان المُلهم الحسَّاس لهذا الوطن العظيم قصة لا توصف، وإذا وصفت لا تصدق ، وقد يظنها البعض ضرباً من خيال أو رواية من روايات ألف ليلة وليلة.. ولكن من عرف هذه القامة الوطنية السامقة واستظل تحت ظلها المورق وانتعش بهوائها وبرودها الجميل ، وارتوى من ينبوع جدولها المتدفق من عمق جذورها المغروسة في أعماق تربة هذه الأرض الطاهرة.. واقتطف من ثمارها اليانعة المورقة بالحب والطيبة وحب كل الناس.. لعرف حينها بأن الحب لهذا الوطن الغالي شكله ثاني وطعمه ألذ مذاقاً.
 
نعم فكلنا نحب الوطن، وكلُّ منا يحبه بطريقته وأسلوبه.. لكن كيف يحب هذا الشاعر الإنسان وطنه؟ سيجد نفسه مُحباً ومتيماً بحب الجابري وأشعاره ليتعلق بحب وطنه أكثر.
 
فشاعرنا الكبير الأستاذ/ أحمد الجابري عاش حياته حُباً وهياماً بهذا الوطن الغالي.. ضحَّى بكل عمره وسنينه وهو يلهث في طرقات وسواقي ووديان وجبال اليمن الحبيب.. ولم يترك مدينةً أو سهلاً أو مكاناً مرَّ به ذات يوم ولو مروراً عابراً أو مرةً واحدة ، إلا وتجده مرسوماً ومنقوشاً في مخيلته حتى اليوم برغم كل هذه السنين والمحطات المؤلمة ، التي مر بها وعاشها شاعرنا وأستاذنا الجليل/ أحمد الجابري.. بل وتجد هذه الأمكنة البسيطة وغير الشهيرة مثلاً ستجدها في أشعار هذا الإنسان المعجون بالحب والوفاء والإخلاص.
 
نعم.. فقد تنقَّل شاعرنا الجليل من مكانٍ إلى مكان، ومن مدينةٍ إلى أخرى، وحام في ربوع الوطن متجاهلاً كل الحدود المرسومة والمصطنعة في العهد التشطيري البائد منذ الستينات حتى اليوم.. عاشقاً ومتيماً بحب هذه الأرض وهذا الوطن وأبنائه.
حقيقةً والله وليس مدعاة عندما نقول بأن حب الوطن مخلوط بدمائه وأحاسيسه المرهفة.. وحب الناس مزروع في كل عواطفه وجوارحه ومشاعره.. وقد يقول قائل بأن كل هذه الأوصاف والكلمات التي قلتها منذ بداية حديثي ولم أعرف اختزالها في بضع كلماتٍ ، قد لا تفي الرجل بعض حقه.. بأنني قد قلتها من شدة حبي لهذا الوالد والشاعر الكبير والأستاذ الجليل الذي أفتخر وكل إنسان غيري عرفه بإبداعاته الخالدة وإنسانيته المثالية ووفائه وطيبة قلبه وبراءته النادرة.
 
ونتشرَّف اليوم بتكريمه أو الوقوف بجانبه وأمامه ومصافحته.. فعلاً قد يكون هذا القائل على حق بعض الشيء.. لكنه لو عرف بساطة وتواضع وصفاء هذا الشاعر وما قاساه وعاناه في حب هذا الوطن من الويلات والعذاب ، ومعاداة بعض الناس ضعيفي البصر والبصيرة.. وما لقاه من أصدقائه وأهله وأقرب الناس إليه، بل ومن أسرته أيضاً من النكران والجحود والتهكُّم والوحشية ، حتى وهو في عزّ شهرته ونجاحه وتألقه، بل ولا زال يلقى منهم الكثير حتى اليوم.. ومع هذا نجده يحبهم ويحب كل الناس ويتناسى كل أحقادهم ومعاداتهم له وبألوان وأشكال وأساليب متنوعة ويزداد حباً وهياماً بهذا الوطن الغالي.
 
 
ولو عرف البعض أن شاعرنا الكبير هذا والمربي الفاضل والأستاذ الجليل/ أحمد الجابري قد جار عليه الزمان وبعض الحاقدين الذين يعيثون في الأرض فساداً بلا أخلاف ولا وازعٍ من ضمير أو دين، ليحتلوا منزله الذي ورثه عن والده ونهبوا حقوقه وأمواله وتركته واستكثروا عليه حتى غرفةً واحدة في حوش ذلك المنزل لكي ينام فيها ويعيش ما تبقَّى من عمره المديد فيها.
ولو عرف البعض أيضاً أنه وبرغم كل ما قدَّمه شاعرنا الكبير من إبداعٍ وعطاءٍ وحبٍ وجمال لنا ولهؤلاء الناس ولهذا الوطن المعطاء وفي كل المجالات سواءً بالحرف أو الكلمة أو الأشعار أو الأغاني الوطنية والاجتماعية ، التي غنّاها له كبار فناني اليمن وكانت سبباً في شهرتهم ونجاحهم أيضاً داخل الوطن وخارجه من العمالقة الذين ماتوا وانتقلوا إلى الدنيا الآخرة ، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة والتي اشتهرت (أي الأغاني) داخل الوطن وخارجه ، وكانت بمثابة رسائل توعوية متناثرة في سماء الوطن تنشر القيم والحب والوفاء بين الناس وتوثق عادات وتقاليد هذا المجتمع اليمني العربي العريق والأصيل وتراثه المتنوع الغزير.
وما قدَّمه في خدمة وطنه وأبناء بلده الحبيب في مجالات أخرى، ومن خلال عمله كمعلِّم فاضل في السلك التعليمي لمدة عقد ونيِّف من السنين يعلِّم الشباب والأجيال في ثانوية المدارس وينشر العلم والفضائل الحميدة ، ويزرع حب الوطن والمجتمع في قلوب أجيال وبُناة المستقبل، أو من خلال عمله كمحاسب ورجل اقتصاد خبير في العديد من الشركات والبنوك ، أو المؤسسات الاقتصادية والتجارية اليمنية الخاصة والحكومية ، في عدن وتعز والحديدة وغيرها من بقاع البلاد اليمنية، أو غيرها من المجالات الأخرى.. لو عرفتم كل هذا وغيره الأكثر.. وعرفتم أنه وبرغم كل هذا إلا أنه للأسف الشديد لم يُكرَّم يوماً طوال هذه العقود سوى تكريم بسيط من جامعة عدن في عهد رئيسها المبدع الأستاذ الدكتور/ صالح باصرَّة - وزير التعليم العالي حالياً - أو من قِبل مؤسسة السعيد الثقافية قبل سبعة أعوام تقريباً..
وكان التكريم الرائع والجميل من قِبل وزارة الثقافة عام2006م في عهد الإنسان والأديب المبدع والفنان الرائع الأستاذ/ خالد الرويشان - وزير الثقافة حينها - هو أول تكريم رسمي كبير من قِبل الدولة لهذا الشاعر العملاق.
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.