ـ كتب كل من  :

علي المحمدي 
ياسمين الشلال 
 
في الحقيقة أن البحث العلمي في اليمن لم يزل بعيداً عن الكثير من الظواهر التراثية على اختلافها باستثناء الجهود المتواضعة في بعض المجالات كمثل العمارة والحكاية الشعبية والأمثال والأزياء ولكن في مجال الرقص الشعبي بالذات لا يوجد بحث علمي ولم يزل هذا المجال بكراً وخصب للحديث عنه . ولهذا من الصعب جداً تحديد تاريخ نشوء الرقصات في بلدنا اليمن بشكل عام ولا يمكن الوصول إلي نقطة زمنية محددة في التاريخ لنشوء هذا الفنّ (الرقص الشعبي) إلا في حالة واحدة وهو الاجتهاد بالاستنتاج والمقارنة من خلال التاريخ الاجتماعي ـ والاقتصادي والسياسي بهذا الاجتهاد يكم التوصل لمقاربات احتمالية ولهذا فإننا نسلط الضوء على رقصة البرع الصنعاني  .
ومن خلال سنوات دراستي و عملي وممارستي للفنون الشعبية لبلادنا اليمن استطعت أن أستخلص بكم هائل عن موروثنا الشعبي المهدور للأسف الذي لم يجد له من مدون ، حيث عملت على هذا الكتاب الذي يعتبر الأول في بلادنا اليمن حيث حوي من مختلف المناطق في اليمن من رقصاته الشعبية دون بشكل علمي لهذا الموروث الشعبي الخصب حيث وأن الكتاب جاهز ولكنه لم ير النور للآن .
وبالعودة في الحديث عن رقصة البرع الصنعاني :ــ 
أن "رقصة البْرع" رقصة تشتهر بها كثير من نواحي اليمن ولم تقتصر على مدينة صنعاء فحسب وكما نعلم فإن "رقصة البرع" موجودة في كل من المحويت و المهرة وتعز والضالع ويافع ولحج وغيرها من المحافظات في بلاد اليمن عدى تهامة وأن كان المسمي واحد "البرع" فإن الطابع والمضمون كان مغايراً بعض الشيء في وضعية أو حركة الجنبية عند تأدية الرقصة في كل محافظة ، حيث كان يظهر رونق وجمال وخصوصية هذه الرقصة في كل محافظة .
وذلك على حسب العادات والتقاليد المتبعة "لرقصة البْرع" ،ومما لابد الإشارة إليه في "رقصة البْرع" بشكل عام بأن إيقاعاتها المتكونة من أربعة إيقاعات مختلفة مبنية على أساس أن يكون بناءها بناءً تصاعدياً حيث يختلف فيها المسمي الموسيقي للأوزان والضروب والحركات الإيقاعية من منطقة لأخرى 
و"رقصة البْرع" في هذه المحافظات تبدأ وتنتهي بإيقاع واحد . 
وفي معني لكلمة "البرع" في اللغة العربية وكما أشار إليه العلامة أبن منظور في كتابه لسان العرب 
وهو (بَرَعَ ، يَبْرِعُ ، بُروعاً ، وبَرَاعَةً ، فهو بارع ) إذاً فالبرع معناه في أصل اللغة البراعة والإتقان أي
إجادة الشيء، و لكن معناها في اللهجة اليمنية الدارجة يدل على معنى آخر ، فالبرع باللهجة الصنعانية يطلق على العدو الواثب أي الشخص الذي يستعد للنزال ، وهي رقصة حربية بحتة لأنها تجسد مهارات وفنون استخدام السلاح (الجنبية) ورقصتنا هذه تؤدي في ساعات الصباح الباكر وهي رقصة جماعية تؤدي من 
قِبل جموع من الأفراد غير محددة العدد ، ومما لابد الإشارة إليه أن "رقصة البْرع" المذكورة في هذا السياق وهي "رقصة البْرع الصنّعَاني" لكوننا قد ذكرنا فيما سبق بأن "رقصة البْرع" لم تقتصر في وجودها على مدينة صنعاء بل تعددت مسميات الأماكن باختلاف المحافظات المتواجد بها وكان المسمي 
و احد إذ ظهر اختلاف بسيط وهو في طابع الرقصة من ناحية الحركة .
وكان "لرقصة البْرع الصنّعَاني" دلالات ومعاني لم تقتصر لكونها رقصة شعبية تؤدي في مناسبات فرائحية إذ أنها كانت في ذاك الوقت البعيد من الزمن تستخدم كوسيلة لإيصال خبر أو حدث ما وذلك من خلال آلة الطاسة وهي هنا بمثابة أسلوب نداء ليحتشد جموع الناس ليتم إعلامهم بخبر ما إذ كان يتم قرع سريع متتابع على إيقاع آلة الطاسة وهي نوع من أنواع الإيقاعات المستخدمة في "رقصة البرع الصنعاني" 
والطاسة عبارة عن نحاس خالص حيث يسمح بإعطاء صوت رنان قوي يسمع على بعد عند النقر عليها أما شكل الطاسة فهي تبدو مقعرة الشكل مغطاة بالجلد الطبيعي . 
وتتكون "رقصة البْرع الصنّعَاني" من أربعة إيقاعات مختلفة مبنية على أساس أن يكون بناؤها بناءً تصاعدياً ويعود السبب هنا من خلال تكوين الرقصة التي لابد أن تتخذ مراحل متعددة حتى تصل لآخر مرحلة وهي المرحلة الفاصلة ، وكما سبق أن ذكرنا لاختلاف في مسميات الأوزان والحركات والضروب الإيقاعية من منطقة لأخرى تبدأ "رقصة البْرع الصنّعَاني" بإيقاع بطئ يسمي باللهجة الدارجة 
( الدسعة) وميزانه محدد ويأتي فيما بعد ميزان آخر وهو أسرع من (الدسعة) بقليل ويسمي (السارع) ويتبعه من ثم بعد ذلك الإيقاع التالي (الوسطي) وهو أسرع مما سبقه من الإيقاعات ولأن الإيقاع الأخير هو الأسرع نشاهد فيه تسارع الإيقاع يفوق الإيقاعات السابقة وهو إيقاع (الهوشلية) إذ أن الراقص يصل إلي ذروة السرعة في أدائهِ الحركي الذي يوصله لدرجة الإنهاك الجسدي ، وجميع رقصات البرع تنهي على إيقاع (الهوشلية )  
وكما أسلفنا الذكر فيما سبق عن "رقصة البْرع الصنّعَاني" لكونها عرفت بطابعها الحربي المعروف في المناطق الجبلية المرتفعة حيث يقوم الراقص بأداء الرقصة على مراحل متتابعة الزمن والسرعة إذ لابد له من التقيد بهذه الحدود حيث أن الراقص لا يستطيع أن يستهل رقصته على إيقاع (الهوشلية) منذ بدايتها حتى نهايتها و ذلك لأن الطبيعة الجغرافية للمناطق الجبلية المرتفعة لا تمكن راقص البرع من تأديتها بنفس قوة الأداء الذي يصل فيه عند نهايتها وذلك لقلة الأكسجين في أعالي القمم المرتفعة عن سطح البحر وهو كنوع من الإحماء الذي يقوم به الراقص حتي يصل إلي آخر إيقاع وهو قادر على تأديتها بشكلها المطلوب، ولهذا فإن "رقصة البْرع الصنّعَاني" تأخذ عدة إيقاعات حتي تصل إلي إيقاع (الهوشلية) وهو المقطع الفاصل الذي يظهر القدرة القتالية وخفة وليونة الحركة ومرونتها أثناء استعمال الجنبية في عملية الرقص ،  
وتتكون "رقصة البْرع الصنّعَاني" خلال عملية الرقص من خط مستقيم حيث تعمل هذه الجموع على تشكيل دائرة منفرجة ومن ثم العودة لنفس تكوينها السابق الخط المستقيم وهكذا حتي تنتهي 
مناسبة إقامتها حفل الزواج أو ماعداها من المناسبات الفرائحية للمدينة .  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب الرقصات الشعبية في اليمن للمؤلفين :
أ/علي المحمدي ـ مدير عام الفنون الشعبية بديوان عام وزارة الثقافة 
 ـ  ياسمين أبو القصب الشلال
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.