بقلم: جون لامبرت ونزار غانم 
 
في اليمن حتى مطلع القرن العشرين، لم يكن العود الشرق أوسطي (أو "الشرقي") ذو الشكل الكمثري معروفاً على نطاق واسع، حيث ظهر في مدينة عدن في العشرينات وفي مدينة صنعاء في الخمسينات، تحت اسم "الكبنج". وكان هناك آلة موسيقية أخرى شائعة الاستخدام محلية الصنع يطلق عليها "العود" أيضا وتسمى في صنعاء بـ"الطَرَب" وفي حضرموت بــ "القَنْبوس". ونظراً لتراجعه المستمر في نهاية القرن العشرين فقد أصبح استعمال هذا العود القديم اليوم شبه معدوم. يتميز هذا العود بصندوق الصوت أصغر حجماً من ذلك الموجود في العود الشرقي، يمتد منه ذراع أجوف وهو ما سنطلق عليه "وحيد القصعة". يتناول هذا الفصل المعلومات التاريخية المتوفرة حول التاريخ الحديث والمعاصر لهذه الآلة، وخاصة تلك المستقاة من الذاكرة الشفهية. وسنطلق عليه "العود وحيد القصعة" أو "العود اليمني" حسب السياق. فعندما نتكلم عن صنعاء، سنسميه بــ"الطرب" وعندما نتحدث عن حضرموت، سنسميه "القنبوس"،  والطرب/القنبوس عندما نشير إلى سمات مشتركة. وفيما يخص الجانب المنهجي للدراسة ينبغي أن نأخذ في الاعتبار الصعوبات المتعلقة بعدم تجانس المصادر، فإذا كان تاريخ الآلة من الناحية الواقعية والاجتماعية موثّقاً بشكل كبير في صنعاء (الفصل 2)، فليس لدينا سوى بعض المصادر غير المباشرة وبعض التسجيلات الصوتية فيما يخص عدن، وبعض المعلومات التاريخية غير المباشرة  والقليل من الأدلة المادية المباشرة، والغياب التام للتسجيلات، فيما يخص حضرموت. وكذلك يوجد لدينا بعض المعلومات النادرة والمتناثرة وبعض التسجيلات الصوتية فيما يخص باقي شبه الجزيرة العربية. 
 
 
هل كان هناك عود خاص بحضارة جنوب الجزيرة العربية قبل الاسلام؟ يوجد في جنوب الجزيرة العربية بعض النقوش الصخرية وخاصة تلك المنقوشة على شواهد القبور والتي تعرض مشاهد موسيقية تدل على استخدام الآلات المختلفة في العصور الموغلة في القدم وخاصة الآت القرع والآت من فاصلة السمسمية أو الطنبورة . ويعود تاريخ هذه الأدلة إلى القرن الثامن قبل الميلاد (العصر السبائي والعصر الحميري) (آُدوان 1996). وقد رجح بعض الباحثين احتمال وجود شكل من اشكال العود في حضارة جنوب الجزيرة العربية القديمة من خلال تفسير تلك المصادر وخاصة محمد بركات (1994)، حيث تعرض المسلة الجنائزية اليمنية لــ"إجلوم التاجر" (في متحف اللوفر 1029 AO). في الجزء العلوي منها ثلاثة أشخاص يجلسون أمام طاولة، يحمل أحدهم في يديه شيئاً يبدو وكأنه آلة موسيقية (الشكل1). ويفسر بركات ذلك الشيء بأنه عبارة عن عود كمثري الشكل بذراع قصير (صندوق صوت منتفخ، الآلة محمولة بشكل عمودي وفي وقت استراحة وبدون عزف) (بركات 2004، 149-150). وهو ما يجعل من هذا النقش الذي يعود إلى العصر السبائي المتأخر (بين القرن الأول والثالث الميلادي) معاصراً إلى حد ما للأعواد القادمة من وسط أسيا وإيران التي تطرقنا إليها في الفصل الأول. وقد يعد ذلك دليلا أيضاً على وجود مجموعة من الأعواد ذات الأذرع القصيرة في جنوب الجزيرة العربية ولعدة قرون قبل ظهور الاسلام. ومع ذلك، يختلف الباحثون المتخصصون بحضارة جنوب الجزيرة العربية القديمة. ولكنّ من خلال تحديد ماهية ذلك الشيء، تدفعنا العديد من المؤشرات المتقاربة إلى الاعتقاد أن ذلك الشي البارز على النقش الصخري لم يكن عوداً وإنما سمسمية، وهو ما توصل إليه كرستين بوشيه الذي قام بدراسة أهم المصادر النقشية (بوشية 2002).
 
فمن جهة، يلاحظ الغياب الكلي للأعواد على النقوش الأخرى المعروفة والتي تعود إلى حضارة جنوب شبة الجزيرة العربية القديمة، وكذلك يلاحظ وجود كبير لآلة السمسمية أو الطنبورة. ومن جهة أخرى، يظهر الكم الهائل من نقوش العصور القديمة، في اليمن أو غير اليمن، مشاهد موسيقية لفنانين وهم يعزفون على آلتهم. ومع ذلك، فإذا افترضنا أن ذلك الشيء الموجود على المسلة في متحف اللوفر عوداً بالفعل، فإن الفنان هنا لم يكن في حالة عزف، وهو ما يتعارض مع تلك القاعدة العامة. وبالمقابل، إذا افترضنا أن ذلك الشيء سمسمية فالفنان هنا يكون في حالة عزف. وأخيراً، هناك خط عرضي يمر فوق صدر المطرب وهو ما قد يمثل نيراً للسمسمية . الأمر الذي يجعل من وجود عود في حضارة جنوب الجزيرة العربية في الزمن الغابر مستبعداً تماماً، شريطة  المزيد من التحقق. وسعياً وراء البحث عن عود وحيد القصعة في اليمن قبل القرن العشرين، نجد أن تاريخ العود اليمني وحيد القصعة يتيه في غياهب الزمن. فالمصادر المكتوبة تعد نادرة ومشتتة وغير دقيقة فيما يخص أشكال الآلات الموسيقية إضافة إلى غياب النقوش. وتعتبر المصادر الشفهية أقل مصداقية من حيث تسلسل الأحداث. فلم تظهر المعلومات الشحيحة في النقوش التاريخية والأدبية إلا في القرن السابع أو الثامن الميلادي وخاصة تلك الأسماء المعاصرة للآلة ولم تصل أولى الشهادات الشفهية إلا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. وبما أن هذه المعلومات متناثرة وغير دقيقة فإن ذلك يتطلب من الباحث أن يكون أكثر إحجاماً وأكثر صبراً  وصرامة في تحديد المساهمة الفعلية لكل دليل مع تفادي كتابة الاسقاطات الاستدلالية.
 
 
وإذا لم تقدم الاكتشافات الأثرية دليلاً واضحاً على وجود العود وحيد القصعة في اليمن قبل الاسلام فإن أول ذكر واضح عن وجود هذه الآلة أو أي آلة مشابهة لها في اليمن قد نقله إلينا أبو فرج الاصبهاني (القرن التاسع) حيث يحكى الأصبهاني أنه عندما لجأ الفنان الغرّيض (القرن الثامن) من أصحاب مكة إلى اليمن كان قد التقى ببعض اليمنيين الذين استغربوا لرؤية تلك الآلة التي لم يكونوا يعرفون طبيعتها حيث سألوه (يا فلان هل تبيع عصا ترحالك؟) (الأصبهاني 1928 2، 339– ذكره جون لامبرت2002-134). ومن المحتمل أن هذا العود الذي كان يشبه "العصا" كان العود وحيد القصعة الذي كان شائعاً في منطقة الحجاز منذ فجر الاسلام، فهو آلة مصنوعة من قطعة واحدة نحيفة الشكل تختلف تماماً عما أصبح يُعرف بالعود في القرن الثامن الميلادي (انظر الفصل الأول). ونستنتج من هذا الذكر الأول للألة أن هذا العود ربما دخل إلى اليمن في بداية عصر الاسلام بواسطة فنانين قدموا من الحجاز. ولو قرأناه من زاوية أخرى، لوجدنا أن اليمنيين لم يكونوا يعرفون هذه الآلة وأنهم لم يعجبوا بها (كما تذكر باقي القصة) وأن ربما كان هذا الإدخال فاشلاً من دون شك. وبالمقابل، فقد كان بعض الفنانين من ذوي الأصول اليمنية يقيمون في الحجاز في العصر الأموي وكانوا يعزفون على العود مثل ابن الطنبورة ( فارمر1967،87) إلا أنه لا توجد أي مصادر توضح لنا ما إذا كان هذا الفنان قد تعلم أو عزف على العود في بلده الأصلي. وتتناول بعض المصادر التاريخية خلال القرون اللاحقة موضوع القينات اللواتي كنّ يطربنّ كبار القوم، لاسيما المؤرخ الكبير في القرن الثاني عشر عمارة اليماني (اليماني، 1979، ذكره الشامي 1977 – 380-314)، إلا أنها لم تشر مطلقاً إلى وجود الأعواد قبل القرن الثالث عشر الميلادي.
 
يذكر ابن منظور (المتوفي عام 1311) في معجم لسان العرب في القرن الثالث عشر الميلادي آلة وترية (المعزاف) بصيغة المفرد "هو ضرب من الطنابير يتخذه أهل اليمن"، إلا أن هذه الجملة يكتنفها بعض الغموض. ذلك أنّ الطنبور لم يدخل إلى شبه الجزيرة العربية مطلقاً، وأعني هنا ذلك الذي عُرف في بلاد ما بين النهرين أي العود ذو الذراع الطولية، أو لم يجد له أثر في شبه الجزيرة على الأقل. وبما أن المؤلف لم يكن متخصصاً بهذا المجال، فهل كان يقصد نوعاً خاصاً من الأعواد كان اليمنيون يعزفون عليه؟ وقد رأينا للتو أننا نشك في ذلك وحتى عن الفترة الأكثر قدماً. إلا أننا سنسلط الضوء على هذه النظرية بناءً على الكتابات اللاحقة التي سنستعرضها تباعاً. فمنذ عهد حُكّام الدولة الرسولية (1229– 1454)، شهدت اليمن ازدهاراً ثقافياً هاماً، خاصة في مجال التصوف حيث تذكر المصادر الرسولية وجود أنماط مختلفة من الغناء والعزف الموسيقي داخل البلاط الملكي. وقد طلب أحد حُكّام الدولة الرسولية من حاكم مصر أن يرسل إليه أحد الفنانين ليعزف له في بلاطه فأرسل إليه فناناً وعازف عود اسمه ابن الخروف (اليماني– 1988). ولعل المتصوف الشهير الجبرتي قد قام بإدخال العود وآلات أخرى  ضمن طقوس السماع (الحبشي 1976–32، ذكر ذلك المؤرخ الأهدل). وربما ظهرت النظرية الموسيقية المكتوبة في اليمن هي الأخرى في هذه الفترة، حيث قدم إلى عدن شخص يدعى محمد أبو بكر الفارسي (المتوفى عام 1277 تقريباً) الذي "ينحدر من إحدى عائلات وزراء ملوك فارس"، بغرض تدريس الموسيقى من بين مواد أخرى وقام بتأليف كُتيبين حول النظرية الموسيقية (مفقودة للأسف) (الجندي1983، الفصل الثاني، 4291). ولسوء الحظ أنه عندما يأتي ذكر العود في تلك المراجع لم يتم التطرق إلى طبيعة شكل الآلة المفصّل. إلا أنه يوجد مصدر آخر سيطلعنا على المزيد من المعلومات الفنية.
 
ففي نفس الفترة تقريباً 1295م، تصف لنا مخطوطة مكتوبة عن التجارة والأعمال الحرفية في أسواق مدينة تعز، بعنوان نور المعارف والتي تعود إلى فترة الدولة الرسولية، طريقة إصلاح وصناعة الأعواد المختلفة في آن واحد. ويذكر مؤلفها أنه استقى معلوماته بشكل رئيسي من حرفي يدعى محمد العيداني، أي "محمد صانع الأعواد". و يذكر في الجزء الخاص بإصلاح الأعواد، أجزاء العود القابلة للتبديل : الجوانب (ورق) والذراع المستقل (الرقبة) وهو ما يشير وبوضوح تام إلى أن الأمر يتعلق بالعود المركب (الذي نعرفه حاليا بـ "العود الشرقي"). غير أن الوثيقة تذكر في فقرة أخرى حول الصناعة |"رقاً أخضراً" بحجم "نصف طاق" (جازم 2003– 39). بيد أنه من المؤكد أن هذا العنصر لم يكن داخلاً في صناعة العود المركب، فينسجم ذلك في المقابل مع إحدى السمات الرئيسية لآلة الطرب المعروفة في صنعاء فيما بعد. وعلى الرغم من عدم توصلنا وبشكل قاطع إلى أن القنبوس أو الطرب كان موجوداً قبل تلك الفترة وبالشكل الذي هو عليه اليوم، فإنه ينبغي الإقرار أن هذا العنصر يخلق لدينا حالة من الارباك. مما يجعلنا نطرح النظرية التالية والتي ترى أن العود بنوعيه، وحيد القصعة والمركب، كان موجوداً في اليمن في تلك الفترة، وهو الحال الذي استمر عليه خلال فترات أخرى من تاريخه وهو ما سنتطرق إليه لاحقاً. فعلى مدار القرنين اللاحقين، قلّ الحديث عن العود في اليمن حتى قدوم الاحتلال العثماني. وتتناول إحدى المصادر اليمنية آنذاك جلسة غنائية في منزل الحاكم التركي حسن باشا في حي الروضة في ضواحي صنعاء. وقد غنى فيها فنان يدعى ناصر القرابي ويقول عنه المؤلف:  "له اليد الطويل في تقطيع المعاني وتحريك (الأوتار) المثاني" (شرف الدين ،129)، وهو ما يعني أنه كان يعزف على العود. وبما أنّه تغنى في هذه المناسبة بقصيدة لمحمد عبد الله شرف الدين، فهو ما يؤكد أنه كان يمنياً ولم يكن تركياً. كما يذكر نفس المؤلف وفي مقطع آخر عازف عود برفقة مغني في وادي ظهر بالقرب من صنعاء (شرف الدين، 153). وربما وقعت هذه الاحداث في أواخر القرن السادس عشر أو مطلع القرن السابع عشر الميلادي أي قبل نهاية الاحتلال العثماني بفترة وجيزة. كما أننا لا نعرف ما نوع العود المعزوف عليه في كلا الحالتين. ونجد ذكراً كبيراً للعود في القصائد المغناة دون ذكر تفاصيل إضافية بعد هذه الفترة.
 
 
ظهرت كلمة "قبوس" (التسمية القريبة من "قنبوس"، تلك التسمية السائدة في حضرموت في العصر الحديث والمعاصر) لأول مرة في اليمن عام 1065ه/ 1648م في كتب بعنوان يوميات صنعاء (أي بعد ما يقارب أربعين سنة من بعد مغادرة العثمانيين لليمن). يذكر مؤلف هذا الكتاب أن إمام اليمن استقبل في صنعاء مجموعة من الرحّالة الهنود. وعندما اكتشفت السلطات أنّ "ظهر على الهندي آلات الملاهي والشراب والقنبوس"، استاءت من ذلك وقامت بطرده من صنعاء (بسبب التزمت السائد) (قاسم، 1996، 88). ويذكر المؤرخ اسم الآلة الموسيقية بدون تعليقات خاصة كما لو أعتبر أنه هذه الالة معروفة لدى قرائه. وبعد مرور مئة عام تقريباً، أعاد معجم تاج العروس الذي ألفه الأديب محمد مرتضى الزبيدي في القاهرة عام 1188/1770هـ استعمال تعريف "معزاف" بالحرف الواحد كما كان ورده في معجم لسان العرب الذي ذكرناه سابقا مع إضافة : ( وهو المسمى الآن بالقنبوس) (الزبيدي، "عزف"). 
 
 
ونفهم من هذه الصيغة الضمنية أنه حدث تغيير في اسم الآلة قبل عصر المؤلف بفترة وجيزة. وبما أن الاقتباس مرتبط بلسان العرب فهو يوحي بأن الموضوع يتعلق بآلة موسيقية كانت معروفة في اليمن من قبل. ومن المؤكد أننا نجهل إن قد تكون ناتجة عن استمرارية  النقل بين مؤلفي المعجمين اللذان تفصل بينهما فترة أربعة قرون. ولو أمعنا النظر في هذين النصين، فسوف نصل إلى فرضية أن لفظ "قبوس" ربما دخل إلى اليمن في القرن السادس عشر أو السابع عشر الميلادي تقريباً ليطلق على الآلة التي كانت موجودة من قبل. وهذا ممكن جداً لأن هذا اللفظ قريب من كلمة قبوز التركية التي تطلق على نوع من آلة العود. وربما تم استيراد هذا اللفظ في فترة الاحتلال العثماني الأول لليمن (أي خمسين سنة قبل ذكره في يوميات صنعاء تقريباً ومائة وخمسين سنة قبل تاج العروس). ومن المرجح أن نفس الآلة كان يطلق عليها في الماضي اسم المعزاف وأنها كانت موجودة في اليمن منذ القرن الثالث عشر الميلادي على أقل تقدير، بالإضافة إلى أسماء أخرى بالتأكيد لم يتم الاحتفاظ بها. وقد يكون السبب في التغير اللاحق في كلمة قبوس إلى قنبوس محاولة إضفاء على هذه الكلمة صبغة يمنية محلية من الناحية اللغوية. وسنستعرض هذه القضية مرة أخرى عند تناول المصادر التاريخية المتعلقة بمكونات الآلة (انظر الشكل 8). وقد قيل عن العازف والشاعر أحمد الرقيحي أنه كان يعزف على العود الرومي في القرن الثامن عشر الميلادي (الحبشي1983،79) فهل يقصد بذلك العود الشرقي الذي جلبه الروم (أي الأتراك، باللهجة اليمنية)؟ أو  اسماً آخر للقنبوس؟ ويستحق هذين النصين المكتوبين قراءة متعمقة.
 
في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي ذكر الشاعر عبد الرحمن الآنسي (المتوفى عام 1834م) في قصيدته "يا ساري البرق من تهامة " وترين للعود بأسماء ما تزال تطلق عليها حتى اليوم في عود الطرب وهما الرخيم الذي يقابله اليوم ري1 والحازق الذي اسماه الشاعر أيضاً "السقيم" والذي يوازي اليوم دو 2 (الانسي 1985 |، 116). ونظرا لتميّز هذه مسميات للعود وحيد القصعة وبقائها حتى يومنا هذا فإن هذا اللفظ يشير وبوضوح تام إلى أن العزف على الطرب كان قائماً في صنعاء في مطلع القرن التاسع عشر وحتى في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. وبدأنا نحصل على بعض المعلومات الدقيقة عن فناني صنعاء في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ولكنها تظل شحيحة جداً. ويعد المطرب والشاعر جابر رزق (المتوفي عام 1905م) من أهم الفنانين الذين تم توثيقهم. فقد كان يعيش في وادي ظهر في ضواحي صنعاء ويعزف على العود غير أن الأدلة لم تحدد ما إذا كان ذلك العود آلة الطرب أم لا، حتى وإن كان هذا الاحتمال كبير جداً. التقى هذا الفنان عندما كان منفياً في الحديدة بفنان من أصل تركي كان يعزف على العود أيضاً ولا نعرف ما نوع العود هل هو عود شرقي أم يمني. (الرديني 1989،11– 20،انظر الفصل الثاني). وبناءً على كل هذه المؤشرات واستمرارية التقاليد الموسيقية والشعرية اليمنية منذ العصر الوسيط على الأقل نستطيع صياغة فرضية مفادها أن هذه الآلة كانت سائدة الاستخدام بشكل واسع ومستمر نسبياً منذ فترة طويلة جداً وخاصة في منطقة صنعاء. إلا أن قلة الأدلة تتطلب منا  نبقى على حذر.
 
 
العود اليمني في صنعاء  في القرن العشرين 
في القرن العشرين لم تكن كلمة قنبوس (الاسم الذي أطلق على الآلة في قاموس Grove’s  Dictionary) مستخدمةً في صنعاء بل وغير معروفة، حيث كان يطلق عليها اسم الطرب أي "الانفعال الموسيقي" أو الطُرْبي وهو شكل من أشكال التصغير اللفظي. وكما رأينا في الفصل السابق، فالاحتمال الكبير أن سعد عبد الله (المتوفي عام 1905م تقريباً) والذي كان شخصية معروفة محلياَ، كان يعزف على هذه الآلة. وإن لم تحدد الذاكرة الشفهية ذلك صراحة، فإننا نستطيع التوصل إليه من خلال تفسير بعض الحكايات الممزوجة بروح الفكاهة كتلك التي تقول إنه كان يعزف على "دف طويل ومنحني" (انظر الفصل الثاني). إضافة إلى الأحداث الأسطورية في سيرته الذاتية بأنه كان يحمل آلته في حله وترحاله، وأنه كان يخرجها من كم قميصه للعزف عليها في الأعراس، وأنه حملها معه إلى قمة جبل نقم لأداء صلاة الاستسقاء، وأن عوده كان قابلاً للطي. فكل هذه التفاصيل تؤيد هذه الفرضية. وعلى إي حال فإن سعد عبد الله هو الشخصية الرئيسية التي تستحضرها الذاكرة الشفهية عند الحديث عن سيرة مطربي الجيل الذي تلاه والذين  عرفنا وبشكل مؤكد أنهم كانوا يعزفون على آلة الطرب. وقد تم توثيقهم بشكل جيد ومن بين هؤلاء حسن الجُماعي وحسن علي العجمي وأحمد هبة ومحمد العطاب وآخرين. ولو عدنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا أن جابر رزق الذي مارس هذه المهنة قبلهم بعدة سنوات كان هو الآخر يعزف على نفس الألة أي آلة الطرب. وهكذا بدأ العود وحيد القصعة في الظهور التدريجي بين ثنايا الذاكرة الشفهية.
 
وبعيداً عن هذه المقتطفات التي نستطيع ربطها بالتاريخ إلى حد ما، يجد العود اليمني نفسه من جديد قد (غاص؟)عاص في فترة غامضة تمتد إلى ما يقارب الستين عاما أي الفترة ما بين 1904-1962م، وقد ظلت المعلومات حول العود قليلة جدا بسبب تحريم العزف الموسيقي في العلن في هذه الفترة. ومع ذلك ومما لا شك فيه أن آلة الطرب كانت الآلة السائدة في صنعاء في هذه الفترة. ومن المحتمل أن الأتراك أدخلوا بعض الأعواد "الشرقية" إلا أن ذلك كان طفيفاً طوال الوقت. ونظراً لصغر ورشاقة الآلة كما اعتاد وصفها القاصون وأنه كان يتم اخفائها في كُم القميص وهو ما جعلها شبيهة بالمحرمات (الفصل الثاني). والبعض منها كان قابلاً للطي (انظر الفقرة الخاصة بحضرموت الفصل5، الشكل 15أ وب، والخاصة بصنعاء الشكل 16). وتجدر الإشارة إلى أنه في الإمكان العزف على هذه الآلة مع القيام بالرقص في نفس الوقت. وفضلاً عن ذلك، كان بعض الفنانين يعزفون عليها وهم يضعونها خلف رؤوسهم، كما هو حال الفنان أحمد زيد وعلوي عبد السلام (من إب) وقاسم الأخفش والفنان المعاصر محمد علي الذماري. وتعد قضية عزف النساء على آلة الطرب من القضايا التي يصعب تناولها، فالنساء لا يعزفن في العلن مطلقاً بسبب تحريم عزف النساء الضمني على الآلات اللحنية (لامبرت 2002، الفصل 7). ومع ذلك، فقد ذكر بعض الفنانين من الأسر الرفيعة أن من خالاتهم أو قريباتهم من كن يعزفن على آلة الطرب. إلا أنه لا يوجد لدينا أي مرجع حول هذا الموضوع، وهذا لا يعني أن عزف النساء كان غائبا بشكل كلي. وهو الأمر الذي أدى بنا إلى عدم التمكن من الربط بين الحجم الصغير للآلة وعزف النساء عليها. وقد بدأ العزف على الطرب في الانحدار منذ الخمسينات حيث مال بعض الفنانين الشباب إلى العزف على عود "الكبنج" (أي العود الشرقي) بدلاً عن الطرب مثل أحمد السنيدار وعلي الأنسي اللذي كان يتردد على قصر الإمام في تعز. 
 
وهو ما يدل على أن آلة الكبنج تم استيرادها من مصر أو عدن وكان العزف عليها مسموحاً على الرغم من حجمها الكبير. ومما لا شك فيه أن ثورة 1962م مثلت محطة هامة في ذلك التحول وقد ساهم الوصول المفاجئ لمجموعة كبيرة من الجنود المصريين في استيراد هذه الآلة وخاصة في صنعاء (التي اصبحت العاصمة من جديد) بالإضافة إلى استيراد الأغاني الوطنية وخاصة تلك التي غناها السنيدار والانسي والحارثي والتي كانت مصحوبة بالعزف على عود الكبنج. وفي المقابل، ولسوء الحظ فقد ارتبطت صورة آلة الطرب بالنظام السابق (في الوقت الذي سبق لهذا النظام أن حاربها). ومن المؤكد أن ذلك كان ناجماً عن ولع أفراد الأسرة الحاكمة في صنعاء بالاستماع إليه (مثل الأميرين علي والعباس  حميد الدين) كما جاء في شهادة محمد الجماعي (الملحق1). وقد أخبرنا أحد فناني صنعاء إنه في المراحل الأولى للثورة كان الخوف يهيمن على أفراد أسرته (التي كانت تقطن حي من أحياء صنعاء القديمة) لأنها كانت تتردد على الأسرة الامامية، وأن والده طلب منه تحطيم آلة الطرب التي يمتلكونها حتى لا تستخدم ضدهم كدليل اثبات من قبل الثوار. ومن حسن الحظ أن الابن لم ينفذ أمر أبيه. وبعدما هدي الوضع السياسي، كان الأب يومئذ يتحسر أمام ابنه على خسارة العود،  فقد اخبره الابن بفرح أنه احتفظ بالآلة. وقد حافظ غالبية الفنانين المذكورين في الفصل الثاني على ممارسة العزف على العود اليمني (الوحيد القصعة، ذي الوجه الجلدي)، ما لم يرد توضيح مخالف لذلك. ويصر غالبية هؤلاء عموماً إلى الإشارة إلى وجود أسلوب فني خاص بصنعاء، يستند في الأساس على هذه الآلة وعادة ما يسمونه بـــ "الحس الصنعاني"(انظر الفصل السابع). ولذلك كانوا يميلون إلى التمييز بين الفنانين الذين تركوا الطرب وعزفوا على الكبنج في الستينات (أحمد السنيدار ومحمد الحارثي وعلي الآنسي وعلي السمة ومحمد الأخفش ...الخ) وهذا الأمر دفعنا إلى عدم إدراج هذه المجموعة من الفنانين ضمن إطار هذه الدراسة، وإذا حدث ذلك فإنه سيكون هامشياً.
 
 
صناعة العود اليمني في صنعاء 
في الواقع ليس لدينا الكثير من المعلومات عن صناعة العود اليمني في صنعاء. ومع ذلك ومن خلال جمع المعلومات المتناثرة وخاصة فحص الآلات المتوفرة لدينا فقد توصلنا إلى وضع بعض الخطوط العريضة لهذه المهنة. يذكر محمد بركات في إحدى مقالاته الأخيرة عدداً من الأسماء القديمة لصانعي العود الذين احتفظت بهم الذاكرة الشفهية ومن أقدم هؤلاء : محمد الوديدي (توفي عام 1320هـ/ 1902م) ومحمد الحيلة والصيرفي والمُرَنْجِس، وفي كوكبان محمد وهبان (بركات 2008، 158). وآخرهم عبد الله عمر وأحمد عطية وحسين الغيثي الذين كانوا يعملون في ورشة فنية تابعة للدولة (بركات 2008، 158)، إلا أن الكاتب لم يحدد ما إذا كان ذلك قبل ثورة 1962م أو بعدها، وكان معظم صناع العود هؤلاء في الأصل يمتهنون حرفة النجارة. وقد صنع بعض الفنانين آلتهم بأنفسهم مثل ناجي بركات (المتوفي عام 1995م تقريباً) ومحمد شيروص. كما جاء ذكر أحد صانعي الأعواد والذي كان يهودياً أي قبل عام 1948م (تعليق شخصي لأحمد السنيدار). ومن المؤكد أن هذا التقليد، سواء الذي نقلته لنا الذاكرة الشفهية أو الجانب الحرفي المصاحب له،  قد توقف بشكل تام في فترة ما خلال القرن العشرين. وفي نهاية القرن العشرين كان هناك صانعا أعواد عصاميان موهوبان ومبتكران هما يحيى حميد المهدي (المتوفى عام 2004م) الذي صنع الآلات وتعلم هذه الحرفة بنفسه منذ الثمانينات حتى عام 2000م ولم يكن له صلة كبيرة بالتقليد. والثاني فؤاد القُعْطُري الذي لا يزال يمارس الحرفة حتى اليوم في صنعاء وكان لديه ورشة لصناعة الأعواد الشرقية حتى نهاية الثمانينات في حي الطبري، وقد أولى الطرق العلمية لهذه الحرفة اهتماماً كبيراً من خلال نسخ وتطوير الآلات القديمة، حيث صنع خلال العشرين سنة الأخيرة عدداً لا بأس به من الآلات (انظر الفصل السادس). 
 
فليس من الغريب أن يتوقف هذا التقليد لأننا لم نجد شابا قام بتعلم العزف على هذه الآلة منذ بداية الستينات على الأقل ولم تعد لهذه الآلة طلب منذ زمن بعيد. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن المحافظة على هذه الحرفة المندثرة؟. فمن ناحية، يوجد لدينا عدد من الآلات القديمة، ومن ناحية أخرى استطعنا جمع بعض المقتطفات من الذاكرة الشفهية، ناهيك عن أن هذين المصدرين نادراً ما يتطابقان، الأمر الذي يجعل مهمة الباحث صعبة إلى حد ما، فحتى الآن لم يتم دراسة وتوثيق سوى ثلاثة أعواد فقط بشكل عام وهي : 
عود يحيى النونو الذي اشتراه عام 1983م من الأخوين محمد وحسين عبد الله الذماري اللذان كان يبلغ عمرهما حينها 85 سنة و88 سنة على التوالي واللذان ورثاه عن ابيهما الفنان عبد الله الذماري الذي كان يمارس حرفة صناعة قصب المدائع (النرجيلة المحلية). وكان عبد الله الذماري هو من صنع عوده بيده مستخدماً أدوات بسيطة جداً وهو في مرحلة الشباب أي في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي تقريباً. وقد عزف على هذا العود العديد من الفنانين كان أخرهم قاسم الأخفش كما يقال. وهو ما يعني أن عمر هذا العود يبلغ اليوم ما بين 110 إلى 120 سنة تقريباً (الشكل2)
عود حسن عوني العجمي الذي صنعه حرفيون أتراك في اسطنبول أو إزمير، ولكن بناء على تعليمات من جده حسن علي العجمي وكان ذلك في نهاية القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين. ويتسم هذا العود ببساطة الأسلوب وجودة الصوت. ولون الخشب الخاص بهذا العود ليس أسوداً وإنما فاتح بشكل كامل على خلاف معظم الأعواد المعروفة ( الشكل 3)
 
عود محمد الجُماعي الذي صنعه أحد نجاري صنعاء ويدعى أحمد الوديدي (المتوفى عام 1320هـ  أي عام 1904م تقريباً) بناء على طلب من جده حسن الجماعي. وكان اسم الفنان مكتوباً على صدر العود (على الوردة بالتأكيد) تحت عبارة "خاص بحسن الجماعي وتاريخ 1313هـ أي عام 1897م. وشكل الوردة الموجود على العود اليوم أنيق  إلى حد ولكن ليست الأصلية. وكان حسن بهلول قد اشترى هذا العود من الجماعي الجد ولكن محمد الجماعي اشتراه مرة أخرى من حسين بهلول. ولون العود ليس أاسوداً  (الفصل الثاني الشكل3).
 
 
وبناءً على هذه النقاط المرجعية المتوفرة لدينا، نجد أن هناك بعض الأعواد الأخرى أكثر قدماً وقد يرجع عمرها إلى بداية القرن التاسع عشر أي إلى الفترة التي كان لايزال في مقدور العائلات الثرية اقتناء بعض الأعمال الفاخرة. وفي مجموعة محدودة من هذه الأعواد، إنّ الصدر مغطى بتطعيمات ثلاثية من العظم الأبيض وخشب الأبنوس الشديد السواد. ويرجع أقدمها إلى القرن التاسع عشر بالتأكيد (انظر الفصل الخامس، شكل من 16 الى 20 ). وعلى أعواد أخرى، حُفرت بعض الأبيات الشعرية. ويُحكى أن العزي سعد يُسر كان لديه عودٌ من عمل صانع أعواد اسمه الصِدّيق وكان محفورا عليه عدد من الأبيات من الشعر الحميني تقول كلماتها :
سقى الله أرضاً أنبتت عودك الذي... 
غنّى عليك الطير والعود اخضر 
وغنّى عليك الغيد والعود يابس
 
وحري بنا في هذا الموضع ذكر بعض الأبيات الحُمينية الأخرى التي كتبت في مدح العود اليمني والتي تقول : 
يا عود ما لك والحنين ؟
وما الذي يشجيك عند الصبّ في تفتيشه
إن كنت فارقت الحَمَام وسجعه 
فاقنع حديث من الغراب بريشه
 
تعد الأبيات الأخيرة غاية في الأهمية لأنها تشير إلى شكل المقدمة الموسيقية "تفتيش" وبصيغة أخرى "الفرتاش" (انظر الفصل 7). ولا شك أنّ ذكر ريش الغراب هو إشارة إلى أسلوب العزف اليمني، وفضلا عن ذلك،  يختلف مع الخطاب المعتاد بأنّ "الريشة من الصقر"، وذلك لأنّ الصقر حيوان مرتبط بصفة النبل. وتنطوي هاتين القصيدتين وبشكل ممنهج على إحساس مزدوج،  أولاً،  بين الخشب (الذي يرمز إلى الطبيعة) والعود (والذي يرمز إلى الثقافة الانسانية)، و ثانياً، بين شكوى الحبيب والأصوات التي تصدرها الطيور (الحمام والعصافير في آن واحد). وكلا الحالتين تشير إلى أن العود عبارة عن آلة اقتلعها الأنسان من الطبيعة  ("عندما كنت اخضر" و"فارقت الحمام")، وأن العود يعد وسيطاً حضارياً لإدامة العلاقات العاطفية الإنسانية مع العالم. والجدير بالذكر أنّ مثل هذه الصورة البلاغية الذاكرة لماضي الشجرة التي صُنع منها العود، والطيور التي كانت تحط عليها، من خلال ذكريات صوت العود،  سبق أن برزت في قصائد ألف ليلة ولية (فرامر1997،76). وقد أدى تحريم العزف على الآلات الموسيقية إلى جعل صناعتها سرية هي الأخرى، وفي العادة يقوم الفنانون بصناعتها بأنفسهم، أو حتى مهنيين وحرفيين ليسوا فنانين وغالباً ما يكونوا نجّارين. وعليه فإن هذه العناصر مجتمعة تجعل من كتابة تاريخ هذه الآلة أمر في غاية الصعوبة. ومن المؤكد أن القيام بدراسات أخرى حول الذاكرة الشفهية والاكتشافات الجديدة للآلات سيساهم وبشكل ايجابي في اثراء الجانب المعرفي حول هذه الآلة.
 
 
العود وحيد القصعة خارج منطقة المرتفعات
كان العود وحيد القصعة في العصر الحديث والمعاصر، في خارج منطقة المرتفعات وعدن، يسمى بالقنبوس وهو الاسم الذي عُرف به خارج اليمن (بوشية 1984م). وهو ما يعني وبشكل واضح وجود مكانين منفصلين انتشرت فيهما الألفاظ التي سمي بها العود وحيد القصعة : المكان الأول الخاص باسم "الطرب" في الشمال الغربي، والثاني في الجنوب الشرقي باسم "القنبوس". وكما رأينا سابقا، فقد جاء ذكر هذه الكلمة في كتاب حوليات يمنية في منتصف القرن السابع عشر الميلادي ومن ثم في تاج العروس (الذي كتب عام 1770م تقريبا) وتحت لفظ قبوس في كلا الحالتين. ثم ترجع أولى التسميات التي تم توثيقها جيداً إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. إلا أن بعض الشهادات الشفهية تشير إلى أن استعمال هذا اللفظ يعود إلى ما قبل ذلك بعدة قرون على الأرجح
منطقة حضرموت  
جاء ذكر لفظ القنبوس في شهادات تاريخية صحيحة إلى حد ما وخاصة تلك التي ارتبطت بمنطقة حضرموت :  
اشتهر السيد زين عبد الله الحداد (1693م – 1744م ) بعزفه على القنبوس، وهو أحد كبار شعراء الصوفية الحضارم وعُرِف باسم خو علوي (أحمد ثاني 2007وخاصة 163–165وقصيدته: عمّاري 1991 – 1996). وهو ما نفهمه على الأقل من محتوى الأسطورة الصوفية التي حُكيت للمستشرق البريطاني سارجنت في حضرموت، والتي تفيد أنه عندما كان والده يمنعه من الخروج من منزل العائلة للذهاب والاستماع للموسيقى، كان الشاب زين ينتقل ليلاً وبأعجوبة إلى المكان الذي يرغب في الذهاب إليه وعندما كشف والده أمره "تكلمت" الآلة الموسيقية إلى الشاعر الشاب مرددة "توب تُنجى توب تربح"، وهي كلمات دينية كفيلة برفع الحرج عنه ناهيك عن أن هذه الكلمات تقلّد العزف على العود تماماً ( سارجنت 1951 – 631) حسب دائرة إيقاعية راقصة.
 
والأكثر قرباً منّا فنان مدينة الشحر الكبير، سلطان بن صالح بن الشيخ علي بن هرهرا (مواليد 1286هـ/1869م، توفي عام 1901م) الذي كان يعزف على القنبوس ويغني باللغة الهندية (مرشد ناجي 1984– 102). والذي شكّل مع الشاعر عبد الله باحسن (المتوفي 1984م) فريقا واحداً،  وكان هذا الأخير ملحناً. توفي هرهرا مسموماً في الهند على يد عاشقة غيورة (الثعالبي1984، 14). وكان له تأثير في الأغنية الكويتية. ويذكر المرشدي قائمة طويلة لتلاميذه (مرشد ناجي1983، 14،  وذكر ذلك قبله باوزير 1961). وحسب الذاكرة الشفهية فإن العود الذي لدى نزار عبده غانم اليوم قد يرجع إلى سلطان بن هرهرا (الفصل الخامس الشكل15أ، ب). كما يظهر فنان آخر من حضرموت في إحدى الصور وبيده قنبوس في إحدى مقالات المستشرق السويدي  لاندبرج عن لهجات جنوب الجزيرة العربية. وهذا الشخص يدعى سعيد عوض كاوِرة الذي كان يعد من أهم مصادر المستشرق السويدي  لاندبرج حول الشعر العامي الحضرمي (بافقية،1988الفصل الأول، 70). ويقرأ على الشرح الإيضاحي للصورة الجميلة العبارة التالية "صورة المطرب الحضرمي اليمني سعيد عوض وقنبوسه المصنوع في شبام حضرموت" (لاندبرج 1895، 15 ذكر ذلك بافقيه، 1988 الفصل الأول، 53).
 
 
Figure 4 : Sa'îd 'Awa/d et son qanbûs (Landberg 1895)
الشكل 4 سعد عوض بصحبة قنبوسه (لاندبرج 1895)
 
 
وتعد هذه الصورة من أقدم الصور المعروفة للقنبوس وعازفه. وقد اصطحب المستشرق لاندبرج الفنان سعيد عوض كاوِرة  إلى القاهرة حيث قام بتنويت بعض الألحان بمساعدة دبلوماسي ألماني. ويذكر لنا عزيز الثعالبي في كتابه عن الفنان الحضرمي الكبير محمد جمعة خان (1903-1963) بعض المعلومات الجوهرية حول السنوات الأخيرة لآلة القنبوس في حضرموت. فعندما كان محمد جمعه خان طفلاً كان يغني حاملاً نصف يقطينة "دُباء"  ويضمها إلى صدره  لتقليد القنبوس (الثعالبي 2004، 103). وقد بدأ يتعلم العزف على القنبوس على يد معلم يدعى سعيد عبد الله فرج (الثعالبي1994، 40) إضافة إلى عبد النعيم خميس (الذي جاء ذكره في الحاشية 27) ( الثعالبي2004، 150). ويوجد صورة تعرض محمد جمعة خان وهو يعزف على القنبوس برفقة عازف كمنجة (تجدر الإشارة الى أنه كان يعزف باليد اليسرى وهو ما ظل عليه حتى في عزفه على العود الشرقي "المركب"). من خلال الصورة التي يبدو من خلالها أن الفنان في العشرين من عمره، نستخلص أن هذه الصورة تم التقاطها عام 1925م تقريباً. وحسب ما ذكر الثعالبي فقد سجل محمد جمعة خان في عدن ما يقارب الثلاثين أسطوانة قبل أن يترك القنبوس ويتحول للعزف على آلة العود "الكبنج" ( الثعالبي 1984– 40-41)، إلا أن ذلك مستبعداً. ولكن ألا توجد تسجيلات لفنانين آخرين معاصرين له من المحتمل أنهم عزفوا على آلة القنبوس في فترة لاحقة ؟ مثل الشيخ محفوظ سعيد باحشوان هوارا الذي توفي في المكلا عام 1965م وله من العمر 80 عاماً (أي  أكبر من جمعة خان بـ20 عاماً)؟
 
Fig. 5 : Muḥammad Jum‘a Khān, vers 1925
 
الشكل 5: محمد جمعة خان 1925م تقريباً
 
ذكر الثعالبي أن الآلة دخلت إلى حضرموت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي (الثعالبي 2004 ، 106- مستنداً بشكل أساسي على ذكر باوزير). إلا أن هذه النظرية غير مقبولة فقد سبق وان وجدنا أن القبوس كان معروفاً من قبل في اليمن في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي، ناهيك عن الدور القديم جداً الذي لعبته الهجرة اليمنية وخاصة من حضرموت في نشر هذه الآلة في المحيط الهندي (انظر الفصل الرابع). 
 
يذكر لنا لاندبرج بعض المعلومات الهامة عن عود القنبوس في حضرموت. ويخبرنا في بداية الأمر أن هذا العود كان يطلق عليه "الطرب" بشكل خاص وهو ما يعني باللغة العربية "الانفعال للموسيقى" ومن ثم تم استبداله باسم العود (1895– 28)، وإن هذه التسمية تعود إلى كتاب مفاتيح العلوم (طبعة فلوتن، 1895، 236). ومع ذلك، وكما رأينا من قبل أن هذه التسمية هي بالضبط نفس التسمية السائدة في صنعاء. وحسب الشهادات الشفهية التي نشرها لاندبرج (1895 ،21-23، 25-26)، فقد تعلم سعيد كاوِرة العزف في شبام على يد مطرب كبير لم يذكر اسمه في فترة مجهولة، إلا أنه بإمكاننا تحديد هذه الفترة في منتصف القرن التاسع عشر تقريباً. وكان الفنانون أو النجارون هم من يصنع آلة القنبوس. وأن سعيد كاوِرة اشترى قنبوسه مقابل ثلاثة ريالات (كما قيل). وقد نقل هذا المطرب ثلاثة تقنيات للعود كما جاء في ترجمة لاندبرج : المخاواة (أي الدوزنة؟) والتيسير (أي حركة اليد على الأوتار؟) والريّاش (أي الانسجام أو الترييش؟). ونظرا للنقص الواضح في معرفة لاندبرج بعلم الموسيقى (وهو ما كنا ننتقده نسبةً لتلك الفترة)، فمن الصعب فهم ما كان يعنيه بهذه المصطلحات تحديداَ. ومع ذلك، فإن دراسة التقليد الموسيقى الذي لا يزال قائماً في صنعاء ستساعدنا في الحصول على بعض الإجابات لهذا التساؤل. وبالإضافة إلى ذلك، يذكر لاندبرج معلومات هامة عن أوتار القنبوس سنتناولها في إطارها  عند الحديث عن العزف الموسيقي في ثنايا الفصل السابع.
 
منطقة يافع والبيضاء 
كان يطلق على الشاعر الكبير يحيى عمر (1695- 1725م ) الذي اصله من يافع "بالمقنبس" اي العازف على القنبوس. وهو عاش فترة طويلة من الزمن في الهند (بو مهدي 1993،17). وهذا على الأقل ما تخبرنا به الذاكرة الشفهية التي جمعها مستشرق بريطاني في الهند أيضاً في مطلع القرن العشرين (فيلوت1907، 668).  
 
حيث تخبرنا الذاكرة الشفهية هذه أن يحيى عمر كان موجوداً في غوجرات في الهند يغني ويعزف على القنبوس. ويومئذ، كان يغني لفتاة كان قد تزوج بها لتوه ولكنه اكتشف أنها ابنته (ولم يكن يعرف ذلك، لأنه ترك امها قبل مولدها)، وقد تفادى الوقوع في زنى المحارم في أخر لحظة لأن الفتاة تعرفت عليه من خلال الاغنية التي غناها لها وهو يعزف على القنبوس، حيث ذكر اسمه في مطلع الاغنية، حسب التقليد اليمني. وهنا أيضاً تعد الموسيقى عنصراً حضارياً أساسياً. 
وبما أن الذاكرة الشفهية  ذكرت أيضاً الشاعر خو علوي (إذا تم التحقق من ذلك)، فيمكن ارجاع انتشار هذه الآلة في محيط شواطئ المحيط الهندي إلى القرن السابع عشر الميلادي على اقل تقدير. إلا أننا لا نستطيع الجزم بذلك مرة أخرى لأنه ليس لدينا في كلا الحالتين سوى ذاكرة شفهية نقلت ذلك في وقت متأخر وبشكل غير مباشر. علاوة على ذلك، ونظراً لأن كلمة قنبوس في جنوب شرق اسيا لا يقصد بها حتماً العود وحيد القصعة (الفصل الرابع)، فلسنا على ثقة تامة بأن يحيى عمر كان يعزف على هذا النوع من الأعواد أم لا. وفي المقابل من المؤكد أنّه، في فترة قريبة نسبياً، كانت هذه الآلة  مستخدمة في يافع، حيث كان يعزف عليها مطرب يدعى قاسم موسى الصوفي "الفقير" في قرية الفويل في مديرية تفّة. ففي بداية القرن العشرين تذكر أحدى القصائد المنسوبة لمحافظة البيضاء، آلة "القنبوس" الذي "يتنغّم". وهو ما يؤكد أن الآلة كانت معروفة في تلك المنطقة منذ أكثر من قرن كما يبدو وهذا ليس بالأمر الغريب خاصة عندما نعرف أن يافع لطالما ارتبطت بعلاقات تاريخية وطيدة مع حضرموت.
 
وتقترب هذه المعلومات من مصدر آخر متعلق بالمطرب الكبير سعد عبد الله. فكما جاء في شهادة القاضي علي أبو الرجال عن القاضي محمد الحجري بأن سعد عبد الله الذي كان يعيش في صنعاء خلال الاحتلال العثماني الثاني (الفصل2)، قد يكون أصله من مدينة جُبَن التي تبعد عن البيضاء 50 كم شمالاً. الأمر الذي يدفعنا للاعتقاد أنه كان هنالك أتصال جغرافي بين المنطقتين الّتين انتشار فيهما العود وحيد القصعة وتسمياته حتى نهاية القرن التاسع اعشر الميلادي، وأن هذه الآلة الموسيقية اطلق عليها أسمان مختلفان تماماً في وقت متأخر في كل من صنعاء وشاطئ المحيط الهندي. وفي هذه الفرضية دون غيرها وقد يعد اخفاء الأصل "الجنوبي" للفنان سعد عبد الله في صنعاء مؤشّراً على وجود ذلك الفصل بين المنطقتين.
 
 
عدن ولحج 
كانت مدينة عدن كما رأينا سابقا هي مكان لقاء الكونت لاندبرج بالمطرب الحضرمي سعيد كاوِرة قبل عام 1895م. ولكن قبل ذلك التقى التاجر الفرنسي الفريد بارديه عندما وصل إلى عدن عام 1880م، بمطرب يمني آخر كان بحسب قوله "يغني مثل الفنانين المتجولين" ويعزف على آلة "لم تكن سوى قطعة خشبية كبيرة محفورة ومنتفخة يغطيها جلد يمتد منها ذراع قديم مزود بأربعة مفاتيح لشد خيوط معدنية بدلاً عن الاوتار" (باردي1981،27). وعلى الرغم من هذا الوصف المختصر، نستطيع وبسهولة تحديد ماهية هذه الآلة على أنها القنبوس، وهو ما يبين أنها كانت مستخدمة في عدن قبل وصول فناني مناطق المرتفعات الفارين من الإمام يحيى في صنعاء منذ عام 1905م. وفي وقت لاحق يذكر محمد عبده غانم في كتابه من بين قائمة الفنانين الفنان عتيق محمد وزير (المتوفى 1921م) الذي عاش في عدن وجيبوتي ويعرض فيه صورة يعود تاريخها إلى عام 1905م (الشكل 6).
 
وقد كان من الشائع في واقع الأمر وعلى نطاق واسع قيام بعض تجار عدن الأثرياء بدعوة المطربين من صنعاء لأحياء حفلات الأعراس وكان البعض من هؤلاء الفنانين يبقى في عدن. وكان ظافر والعطاب أول من لجأ إلى عدن من المطربين القادمين من صنعاء وقد ظل اسماهما حاضران في الذاكرة الشفهية. وبالرغم من حضورهما الكبير في الذاكرة الشفهية إلا أننا نجهل الكثير عنهما باستثناء أنهما تعلما على يد سعد عبد الله وأن العطاب درّب بدوره الشيخ على أبو بكر باشراحيل وصالح عبد الله العنتري (انظر الفصل الثاني والمحلق1).
Les premiers – et les derniers – musiciens à enregistrer à Aden le son du luth yéménite furent :
 
Figure 6 : ‘Atîq Mu/hammad Wazîr, Aden, vers 1905, accompagné d’un plateau en cuivre et d’un autre instrument (Ghânim 1983, 17).
الشكل6: عتيق محمد وزير، عدن عام 1905م تقريباً، مع الصحن النحاسي والة اخرى (غانم،1983،17)
 
إنّ أول الفنانين الذين قاموا بالتسجيل في عدن وهما يعزفان على العود اليمني، هما :
علي أبو بكر باشراحيل (المتوفي عام 1953م) : قام بتسجيل ثلاثين أغنية خلال الفترة من 1939م– 1940م ( أقراص 78 لفة، شركة أوديون Odeon ) .
في عام 1952م) : قام بتسجيل عشرين أغنية على أسطوانات 78 لفة مع شركة التاج العدني. وربما كان هو أو والده من مواليد كوكبان وقد لجأ بعد ذلك إلى عدن بسب الظروف الاقتصادية قبل وصول الإمام يحيى إلى سدة الحكم في صنعاء كما يبدو.
 
يذكر محمد عبده غانم عدداً من المطربين الآخرين الذي ينتسب جميعهم إلى هذا الجيل تقريباً، إلا أنه لم يحدد ما نوع الآلة التي كانوا يعزفون عليها ولا حتى المعزوفات الغنائية الموسيقية التي كانوا يؤدونها (عبده غانم1983، 36). ومن جانبه يذكر خليل محمد خليل بأن أباه (من مواليد عام 1845م – توفي عام 1936م ) كان يعزف على العود الصنعاني ويلحن الأغنية الصنعانية (صوري، 1984 ،14).
 
قام بعض الفنانين الكبار في فترة الأربعينات بتسجيل الأغنية الصنعانية بالعزف على آلة العود الشرقي أو "الكبنج" (انظر الفصل الثاني، والقرص المضغوط: مشايخ الغناء الصنعاني في التسجيلات الموسيقية الأولى في اليمن، 2009). وهكذا نجد أن العود اليمني قد ترك أثراً في مدينة عدن التي سرعان ما تطورت وعصفت بها رياح التاريخ. وقد حاول البعض من المطربين انعاش هذا التراث مثل حمود العُتيري (بو مهدي، 1993، 36) (الشكل7) . وكذلك أنور أحمد قاسم وفي إطار أكثر حداثة (قائد، 2004، 401 ).
Figure 7 : Ḥamud al-‘Utayrî, Aden, années 80 (Bu Mahdî, A/hmad et alq 1993, 27).
الشكل 7: حمود العوتري، عدن، الثمانينات(بو مهدي، احمد والعلق،1993،27)
 
 
وقد لفت انتباهنا مجموعة من المطربين في منطقة لحج في مطلع القرن العشرين مثل :
 فاضل مطر باجبل الذي عرف بعزفه على العود اليمني والذي توفي عام 1914م.  كما كان لدى سلطان لحج علي بن أحمد بن علي الذي قتل أثناء هجوم الأتراك على لحج عام 1915م،  عدد من المطربين الذين كانوا يحضرون مجلسه ومن بينهم شخص يدعى سعيد درينه (برفقة اخته التي كانت تغني معه) والذي كان يعزف على "آلة يطلق عليها اسم الطنبور" كما يذكر أحد المؤرخين (منيعم 2000–92) : وتحت هذا المسمى الخاطي، نجد مرة أخرى وبيسر تام اسم القنبوس. ومن المحتمل أنه كان هناك أيضاً فنانين آخرين من نفس الجيل من الذين كانوا يعزفون على هذه الآلة
 
تجدر الإشارة إلى أن كلمة قنبوس لم تكن تطلق على العود وحيد القصعة في عدن في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مطلقاً. فعلى الاسطوانات وفي الشهادات الشفيهة (كتلك التي نقلها لنا محمد عبده غانم وخليل محمد خليل) كان الموضوع متعلق دائما بـ"العود الصنعاني" أو "العود" بكل بساطة. وهو ما يقودنا إلى أن الآلة لم تكن مستخدمة في عدن في الماضي القديم وإنما استخدمت في صنعاء وحضرموت ومن خلال نمطين منفصلين تبعا تطوراً منفصلاً خلال فترة زمنية طويلة نسبياً.
 
العود "اليمني" في شبه الجزيرة العربية 
تشير العديد من الحكايات الشفهية الى وجود العود وحيد القصعة القبوس/القنبوس في عدد من مدن الجزيرة العربية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي.
منطقة الحجاز 
بناء على شهادة المستشرق الهولندي سنوك هورجْرُنْج،  نعلم أن "القبوس" كان مستخدماً في العزف في منطقة الحجاز في كل من جدة والمدينة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي (هورجْرُنْج 1931،44). وقد جلب هذا المستشرق إحدى تلك الآلات الموسيقية إلى هولندا وقام فارمار بدراستها ونشرها في إحدى مقالاته عام 1929م. وهذه الآلة موجودة اليوم ضمن مقتنيات متحف Volkenkunden فولكنكوندن في لايدن (الشكل8). ومن الملاحظ أن هذه الآلة كانت معروفة في تلك الفترة باسم القبوس أو القببوس (enlever le (bleuوهو الاسم القديم للآلة والذي لم يصبح اسماً يمنياً بعد كما يبدو. 
 
Figure 9 : Le musicien yéménite, al-Sayyid Mu/hammad, Jeddah, 1909 (Gavin 1985)
الشكل 9 : المطرب اليمني السيد محمد، جدة,1909 (جافان1985)
في تسجيلات صوتية تم إعدادها في القنصلية الهولندية في جده خلال الفترة ما بين 1907م- 1909م على اسطوانات شمعية (اعيد اكتشافها في الثمانينات في متحف لايدن إحدى الجامعات الامريكية) نستطيع تمييز آلة وترية تشبه في نقاوة صوتها صوت القنبوس إلى حد كبير. وفي بداية كل مقطع يذكر المقدم "عنوان القصيدة ونوعها والإعلان التالي: "أربع صنعاني" أي (الالة) الصنعانية (ذات الأوتار) الأربعة. وأغلب المعزوفات الموسيقية في هذه الاسطوانات من الحجاز ولكنها متأثرة بالنمط اليمني وخاصة القصائد المغناة. وتعد هذه الملاحظة في غاية الأهمية لأنها تظهر أن الآلة كانت معروفة مسبقاً في بداية القرن العشرين وأنها صنعانية حتى وإن بدا أنه كان يعزف عليها خارج صنعاء واليمن عموماً. وعلى الرغم من ندرة مراجع هذه التسجيلات إلا أنه توجد صورة توضيحية يعود تاريخها إلى فبراير1909م وهي صورة لفنان، ويدعى السيد محمد، حيث يظهر في الصورة وهو يعزف على القنبوس أمام آلة التسجيل الفونوجراف ادسون (جافن 1985م). ويظهر من خلال نمط ملابسه أنه كان يمنياً أو حجازياً (الشكل 9).
 
في الخليج العربي 
يذكر بعض المطربين في مطلع القرن العشرين خاصة في الكويت وكل على طريقته أنه عزف في فترة شبابه على عود صغير الحجم وحيد القطعة مغطى بالجلد قبل أن يتحول إلى العزف على العود العربي الشرقي أو "الشامي" (كما يسمونه أهل الخليج) ومن بين هؤلاء أحمد بشار الرومي وعبد الله فضالة (من مواليد 1900م) ومحمود الكويتي (الدوخي 1984،194-196). وحسب الذاكرة الشفوية المتداولة في الكويت فإن الفنان الشهير عبد الله فرج (المتوفي عام 1901م) أحد مؤسسي الصوت هو من أدخل هذا العود إلى الكويت، إلا أن هذا لا يخرج عن دائرة الاحتمال، بسبب عدم الاحتفاظ باي تسجيل يعود إلى تلك الفترة حسب المعلومات المتوفرة لدينا على الأقل. ومن الغريب أن هذه الشهادات الشفيهة لم تذكر الاسم اليمني للآلة (وفي المقابل يعتقد البعض أنها من أصل هندي). وهناك شهادة أخرى تم جمعها في الخليج تفيد بأن الآلة كانت شائعة تحت اسم المقبص أي الآلة التي يعزف عليها من خلال القبص على الأوتار. وسنستعرض التقارب بين هذين اللفظين واختلاف تفسيرهما من الناحية الاشتقاقية. ويبدو  أن من المسلم به أن العود وحيد القصعة كان مستخدما في الخليج إلا أنه من الصعب معرفة إلى أي مدى كان العزف على هذا العود متجذراً في التاريخ وفي تقاليد هذه المنطقة. وبناء على العلاقات الوطيدة بين الحضارمة وأبناء الخليج، وما شاع عن وجود فنان يطلق عليه اسم "النهّام" على السفن كان يرافق البحارة خلال رحلاتهم الطويلة إلى أفريقيا والهند بهدف الترويح عنهم، يجعلنا نتوقع استخدام العود وحيد القصعة في العزف على بعض تلك القوارب، لأن بسبب حجمه الصغير المكون من قطعة واحدة يجعل منه قادراً على الصمود أمام مخاطر السفر. 
 
عُمان
تشير بعض الشهادات إلى وجود القنبوس في هذه المنطقة ولكن بدون أدلة ملموسة. وفضلاً عن ذلك يوجد في ظفار رقصة يطلق عليها اسم القبّوس إلا أنها لا تؤدى إلا مع آلات القرع فقط. وربما تعد هذه التسمية دليلاً على وجود القنبوس في القدم واختفى بعد ذلك أو أن التسمية ترجع إلى عودة تأثير على منطقة حضرموت عبر زنجبار(انظر الفصل 4). 
وهكذا نجد أن العود وحيد القصعة لم يكن مستخدما في مطلع القرن العشرين في اليمن فقط، وإنما أيضاً في بعض المناطق الأخرى في شبه الجزيرة العربية. وعلى الرغم من هذه الحقيقة التي لم يتطرق إليها اليمنيون مطلقاً، هل نستطيع القول أن العود لم يكن يمنياً خالصا وإنما عربيا؟ من الصعب الاجابة على هذا السؤال لأن التأثير اليمني الموجود في تسجيلات جدة ملحوظ (خصة من الناحية الشعرية)، ولكننا نجد أيضاً مقاطع كثيرة تحمل الطابع الحجازي الخالص. ونظراً لقلة المصادر التي جمعناها في الكويت، فإن هذه الالة غير معترفة بها على انها يمنية. وعليه من المحتمل أن هذه الوقائع التي لاحظناها هي عبارة عن بقايا الوجود القديم والجوهري لهذه الالة في الجزيرة العربية. وبناء على ذلك، أليس ما نعتبره عوداً يمنياً خاصاً ما هو إلا بقية من بقايا الانتشار الواسع لهذه الآلة منذ القدم؟ وإذا كانت هذه الفرضية محتملة فإنها تضيع في غياهب الزمن لأن الذاكرة الشفهية الجماعية لم تحتفظ بالكثير من الأدلة عن الحياة الموسيقية إلى ما قبل القرن العشرين. 
 
وتبقى العديد من التساؤلات الجوهرية التي تبحث عن إجابة : 
كيف ومتى وصل العود وحيد القصعة إلى اليمن؟ ومن أي منطقة أتى من العالم ؟ واستناداً على المعلومات التي أوردناها في هذا الفصل لا سيما تلك المستقاة من المصادر اليمنية المكتوبة، فإنه من الصعب ترجيح سيناريو تاريخي محدد. فقد وجدنا أن النفوش القديمة بالإضافة إلى ما توصلنا إليه من معلومات عن العود في شمال الجزيرة العربية لا تمكننا من القول أن هذه الآلة كانت موجودة في اليمن قبل الاسلام. وبالمقابل، وبعد ظهور الاسلام، ربما مثلت مجمل أحداث التواصل التاريخية المباشرة بين اليمن وباقي العالم العربي والاسلامي فرصة لاستيراد واحد أو أكثر من الأشكال القديمة للقنبوس/الطرب وخاصة مع الحجاز والعراق وتركيا. ولكن متى كان ذلك بالتحديد، بين القرن الثامن والقرن السادس عشر الميلادي؟ ولن نبحث عن إجابة لهذا السؤال في الوقت الراهن، لكننا سنعود إليه بعد القيام بدراسة مقارنة مع مناطق أخرى من العالم وبعد دراسة  صناعة الآلة وطريقة العزف عليها، الأمر الذي سيمكننا من طرح هذه الأسئلة التاريخية مع التركيز على الناحية الفنية. 
 
المراجع 
باللغة العربية 
نزار عبده غانم، انظر الفصل الثاني.
مبارك العماري،1991-1996، محمد بن فارس، اشهر من غنى الصوت في الخليج، البحرين، وزارة الاعلام الجزء الثالث.
عبد الرحمن الآنسي 1985، ترجيع الاطيار بمرقص الاشعار، بيروت، العودة.
محمد عبد القادر بافقيه 1988،المستشرقون وآثار اليمن، قصة المستشرق السويدي الكونت كارولو دي لاندبرج من خلال مراسلاته مع اليمنيين، المجلد الاول، 1895-1911، صنعاء مركز الدراسات والبحوث اليمني. 
محمد عبد القادر بامطرف،1985، با حسن الرائد والفنان، عدن، دار الهمداني
محمد بركات، 2008م آلة العود اليمني العود الصنعاني(الطربي، الطرب، القنبوس) الاكليل،31-32،148-162.
سعيد عوض باوزير 1961، الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي، المصدر الانترنت
احمد بو مهدي 1993، غنائيات يحيى عمر، أو مجيب اليافعي، عدن – دمشق، منتدى يحيى عمر الثقافي للشعر والفنون.
يوسف فرحان الدوخي، 1984، الاغاني الكويتية، الدوحة، مركز التراث الشعبي لدول الخليج. 
نزار عبده غانم 1986، الجذور اليمانية لفن الصوت الخليجي المأثورات الشعبية، الدوحة،4،9-28.
عبدالله الحبشي، 1976، الصوفية والفقهاء في اليمن، القاهرة، دار نصر الثقافة. 
1983، مجتمع صنعاء في القرن الحادي عشر الهجري وما بعده، الاكليل،2-3، 77-87. 
عبد الله الحبشي، نفس التاريخ، حوليات يمانية،  انظر الفصل 2 
ابن منظور، لسان العرب المحيط، بيروت، دار لسان العرب، يوسف خياط [حوالي 1978]. 
محمد جازم (تحقيق وتقديم) 2003، نور المعرفة. القواعد والقوانين والجمارك في اليمن تحت حكم السلطان المظفر الرسولي، المجلد. 1، صنعاء، CEFAS. 
محمد بن يوسف الجندي، 1983،كتاب السلوك في طبقة العلماء والملوك، المجلد 2، صنعاء، وزارة الثقافة (تحقيق محمد الأكوع). 
أبو عبد الله محمد بن أحمد الخوارزمي، 1930،مفتاح العلوم، القاهرة، عثمان خليل. 
لطفي حسين منيعم، 2000،الغناء اللحجي، اعلام واحداث، صنعاء، مركز العبادي للدراسات والنشر.
عبد القادر قائد،2004ـ من الغناء اليمني، قراءة موسيقية، صنعاء، وزارة الثقافة والسياحة. 
يحيى حسين القاسم، 1996، يوميات صنعاء في القرن الحادي عشر الهجري، أبو ظبي، المركز الثقافي. 
قطاط، 2006، انظر الفصل 8. 
الرديني،(طبعة)، 1989: انظر الفصل 2.A. 
عبد الله بن محمد السقاف، تاريخ شعراء حضرموت، بور سعيد، مكتبة الثقافة الدينية.
شرف الدين: انظر الفصل 2.A. 
أحمد الشامي، 1974، فنون الأدب اليمني، بيروت، دار الشروق. 
عزيز الثعالبي،2004، محمد جمعة خان، الاغنية الحضرمية الخالدة، صنعاء، وزارة الثقافة والسياحة.
عمر الثعالبي،1984 محمد جمعة خان، حياته وفنه 
أحمد راشد ثاني،2007، رحلة إلى عسير ،رأس الخيمة، أبو ظبي، المركز الثقافي. 
نجم الدين عمارة بن علي اليماني، 1979، أخبار صنعاء وزبيد، شعرائها وملوكها واعيانها وأدباءها، صنعاء، المكتبة اليمنية. 
تاج الدين عبد الباقي اليماني،1988، بهجت الزمان في تاريخ اليمن، بقلم عبد الله الحبشي ومحمد السنباني، صنعاء، دار الحكمة اليمانية. 
محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
 
التسجيلات 
رواد الأغنية الصنعانية في أولى التسجيلات اليمنية - 2009، اليونسكو، المركز اليمني للتراث الموسيقي، الصندوق الاجتماعية للتنمية والمعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية (قرصين مع مقدمة بالإنجليزية والعربية). 
 
 
المراجع باللغات الاجنبية 
AUDOUIN, Rémy, 1996 « Étude du décor des temples des Banāt ‘Ād », in Robin, Christian (éd.), Arabia antiqua. Early origins of South Arabian States. Proceedings of the First International Conference on the Conservation and Exploitation of the Archaeological Heritage of the Arabian Peninsula, 121-142.
 
BARDEY, Alfred, 1981 Barr-Adjam. Souvenirs d’Afrique Orientale, 1880–1887, Paris, Éd.du CNRS.
FARMER, Henry G.1929 « Meccan Musical Instruments » : voir chapitre 1.
1957–1958 « The Science of Music in Mafātīh al-‘ulūm », Transactions of the Glasgow University Society, 17, 29-38
[reprint in 1997 Studies in Oriental Music, 1st vol., 453-461].
1997 Studies in Oriental Music : voir chapitre 1.
1997e : voir chapitre 1.B.
 
GAVIN, Carney E. S.
1985 « The earliest Arabian Recordings: Discoveries and Work Ahead », The Phonographic Bulletin, 43, September 1985.
1988 « The Earliest Voices from the East. Phono-Archeological Explorations and Tomorrow’s Museums », Museum, 158, 68- 69 and fig. 1.
 
HILARIAN, Larry Francis, 2004 The Gambus Lutes of the Malay World : voir chapitre 4. B.
HURGRONJE, Snouck [1888] 1931 Mekka in the Late XIXth century, [De Haag] London-Leiden.
LAMBERT 1997 : chapitre 2.
LAND, J.P.N. 1895 « Note sur le qabbouç du Ḥaḍramawt », Arabica, III, 15, 112-115.
LANDBERG, Carlo di, 1895 « Der dialect von Hadramūt », Arabica, III, 15, 7-37.
PHILOTT D. C. 1906–1907 : « Some Folktales from Hazramaut », The story of Yahya Omar, the guitar-player (al-mukanbis), (Journal of) Asiatic Society of Bengal [Calcutta], III, 65.
PICKEN, Laurence 1975 Folk Instruments of Turkey, London, Oxford University Press.
POCHÉ, Christian 1984 « Qanbūs », in Stanley Sadie (ed.), The New Groves Dictionary of Musical Instruments, III, London, MacMillan, 168- 69. 2002 « Music in Ancient Arabia, between Archeological and Written Sources », in Virginia Danielson, Scott Marcus & Dwight Reynolds (ed.), The Garland Encyclopaedia of World Music, vol. 6 : The Middle East, New York, London, Routledge,357-362.
ROBSON 1938 : voir chapitre 1.A.
SHAWQĪ, Yusuf 1992 Dictionary of Traditional Music in Oman, revised and expanded by Dieter Christensen, Wilhelmshaven, Florian Noetzel Verlag.
SERJEANT, Robert B. 1951 South Arabian Poetry and Prose of Ḥaḍramawt, London, Taylor’s Foreign Press.
 
C. Discographie
2009 The Masters of the Sanaa Song in the First Musical Recording in Yemen, UNESCO, YCMH, SFD, CEFAS (2 CD avec présentations en anglais et en arabe).
 
 
 
-----------------------------------------------------------------------------------------
 
FOOTNOTES
 
 
 كان يطلق على العود كمثرى الشكل اسم "الكبنج" بسبب تشابهه مع آلة الكمان او الكمنجة،  مع وجود دلالة تحمل طابع السخرية.
الموقع الإلكتروني للمتحف اللوفر (<HTTP: // www.louvre.fr>) يعرض المقتنية التي نتحدث عنها على أنها "ربما تكون قِربة أو على الأرجح آلة موسيقية."
أنا مدين بهذه الملاحظة للزميل جان دورِنج Jean During.
 واستطعنا مقارنة هذه الصورة مع نقش آخر يعود لنفس الحقبة والذي يظهر جلياً أنه يتم العزف على سمسميتين بوضعية واحدة. وهذا يؤكد أن مسلة أجلوم Iglum التذكارية تحوي بالفعل سمسمية محمولة بأسلوب كان منتشراً في تلك الحقبة (وثيقة حصلنا عليها من منير عربش). ارتكب الباحث اليمني محمد با سلامة نفس الخطأ بخصوص نقش يمني آخر (ندوة بصنعاء بعنوان "الموسيقى اليمنية الأفاق والتطور" 2004). اعاد قطاط هذه الفكرة دون أي بُعد نقدي (2008، 38).  كل هذه الحالات لا يمكن تفسير على أنها عبارة عن ألة العود، إلا إذا ما اعتبرنا أن الاشخاص لم يكونوا  في وضعية عزف، بينما  في حال كانوا في وضعية عزف،  فإنها سمسمية. وعلاوة على ذلك، محمد بركات (2007،149) يدعي بأن المفضل بن سلمة (Robson، 1938، 248) ذكر مِعْزَافة على اعتبار أنها آلة وترية مميزة لدى ملوك اليمن ما قبل الإسلام. ولكن لا يوجد أي مشير إلى ما كانت هذه الآلة بالفعل عوداً. بل على العكس، وبما أن هذا المؤلف العربي الذي يعود إلى فترة العصر العربي الوسيط اعتمد على النقوش الأثرية غير البارزة مثل هذا النوع الذي ذكرناه هنا، فيمكن القول أن ما كان هو على النقش لم يكن سوى سمسمية (اي قيثارة بلغة القدمى).
هو ما نستنتجه من قراءة متأنية للمصدر الرئيسي المتاح، وهو المقال الطويل لأحمد الشامي (1974). في واقع الأمر، قد تقودنا قراءة سريعة لهذا المقال إلى الاعتقاد بخلاف ذلك، لأن الكاتب يميل إلى خلط الأوراق من خلال وضع معلومات متباينة تماماً على نفس المستوى المواحد وعلى مصادر متأخرة دونما التساؤل حول المفردات الخاصة بالالآت الموسيقية.
 
وربما يذكر معجمان آخران يعودان لنفس الفترة نفس المعلومات تقريبا (المطرّزي والفيّومي، كما جاء في ادوارد لاين Lane, Arabic-English Lexicon, ‘ZF 
فيما يخص عهد الدولة الرسولية، من السهل تفسير ذلك الوجود بفعل وجود التأثير المصري والسوري الكبير في تلك الفترة.
قد يُفسر هذا الحدث الذي ظل محفوظاً في الذاكرة الجماعية لماذا حصل نسيان تمام لكلمة قنبوس في صنعاء حيث يرفض أحد كبار الفنانين اطلاق هذه الكلمة على الطَرَب معللاً ذلك بأن "القنبوس آلة هندية وليست يمنية".
سنتطرق إلى امكانية أن تكون هذه الآلة  هدنية أم لا في الفصل 8.
ويمكن تفسير احتمالية أن الأتراك هم من اطلقوا هذا الاسم على الآلة الموسيقية اليمنية من خلال حقيقة أنهم كانوا معتادين على أعواد تحمل نفس وتشبهه من ناحية المظهر الخارجي على الأقل:  ويوجد منها أعواد صغيرة الحجم يتم مسكها بطريقة مماثلة للعود اليمني  مع واجهة مغطاه بالجلد (Picken 1975, 264-268)
وتجدر الإشارة إلى أن الآلات الموسيقية كما جاء ذكرها في حواليات يمانية بأن الإمام المتوكل قام بتحطيمها في صنعاء عام 1845م، وأن النص ذكرها تحت مسمى مَعَازِف (مفردها مَعْزاف) (حبشي (طبعة بدون تاريخ( ، 131). فهل ينبغي التعامل مع هذا المصطلح على أنه يقصد معنى محدّد: "الأعواد وحيدة القطعة"؟ أو معنى أكثر شمولية يقصد به "الآلات الموسيقية"؟ للأسف لا نستطيع الاجابة على ذلك من خلال الاعتماد على هذا النص فقط.
أنا مدين بهذه الملاحظة للفنان علي الأسدي.
قد يرجع استخدام هذا المصطلح للدلالة على العود إلى مفاتيح العلوم للخوارزمي، العالم الموسوعي في القرن العاشر الميلادي، على الأقل نقلاً عن لاندبرج  Landberg، والذي ذكر النسخة التي نشرتها دي فلوتن De Vloten (1895). وفي المقابل، لم يتطرق فارمر Farmer إلى هذا الجانب وهو الذي ترجم مقتطف عن الموسيقى من هذا الكتاب (Farmer 1957-1958). وكان فنانو صنعاء يجهلون تماماً كلمة قنبوس حتى أوائل عام 2000م، بل ويرفضون اطلاقها على نفس الآلة.
 وما يؤكد ذلك هو حقيقة أنه كان لديهن تقاليد غنائية خاصة بهم مع الإيقاع ولكن بدون آلة لحنية.
 ليس لدينا سوى نصف ساعة تسجيل لأحمد السنيدار وهو يعزف الطرب. أما علي الآنسي يبدو أنه عزف على آلة الكبنج منذ بداياته في فترة الخمسينات.
 يبقى المعنى الحقيقي لهذه القصة غامض وذلك لأن أسرة هؤلاء الفنانين كانت هي الاخرى لها أصول عثمانية، وهذا سببا آخر قد يجعلهم يخشون من دافع التعصبي الشعبي. ولهذا، قد تحمل الآلة دلالات على وجود هوية تركية. وفي كلا الحالتين، تم التعامل مع الآلة وكأنها نمط قديم ينبغي التخلص منه. وهذا لا يعني أنه يمكننا استنتاج أن عود الطرب كان  فعلاً من أصل تركي.
مع تأكيد محمد الجماعي 
مع تأكيد أحمد السنيدار. وتعني هذه الكلمة المبهمة "المزخرف" (باللهجة الصنعانية).
بناءاً على لُطْف زايد(من حارة الخراز في صنعاء) نقلاً عن يحيى النونو.
استقر هذا العود مؤخراً في متحف كي برانلي (Quai  Branly) في باريس (رقم المقتنى المرجعي :70.2007.8.1).
قام محمد الجماعي بعد ذلك بتغيير صدر الآلة لأنها كانت مكسوراً. وهكذا اختفت الوردة. وقد نتساءل ما اذا تمت إزالة النقش بشكل متعمد لأنه وبسبب الموقف المتشدد للإمام يحيى قد يكون ذلك مثير للريبة والشك.
انظر الملحق 1، "الصدّيق" ، الابيات غير مكتملة ولم نستطع الاطلاع على النقش. 
 يا عود ما لك والحنين؟  
وما الذي يشجيك عند الصبّ في تفتيشه
إن كنت فارقت الحَمَام وسجعه
فاقنع حديث من الغراب بريشه
وهكذا، قد يكون استعمال هذا اللفظ في صنعاء خلال هذه الفترة التي تلت فترة الإحتلال العثماني ومن بعدها اختفى، وربما يعود ذلك إلى تحريم الأئمة العزف عليه وربما بسبب التخلي عن هذا اللفظ واتستخدام كلمة الطرب بدلاً عنه كوسيلة لـ"يمننة" الآلة.
لم يقم المستشرق البريطاني إدوارد لاينEdward Lane ، من جانبه، سوى سرد حرْفي لما جاء في تاج العروس، والذي تعرف عليه بسهولة في مصر (Lane 1863, 93).
لم تدخل هذه الأسطورة ضمن محتوى السيرة الذاتية لهذه الشخصية والذي كان رجل دين أيضاً (السقاف، بدون تاريخ، 2، 135وما يليها، نقلاً عن سرجنت Serjeant) وفي المقابل، هناك أساطير أخرى متعلقة به تستنجد بالقوى الغيبية والنماذج الصوفية (Thani 2007, 28).
كان هنالك تأثير يمني مبكر جداً على الأغنية الكويتية وخاصة في عهد يوسف البكر.
ومن جانبه، يستشهد بامطرف بعازف قنبوس معاصر يدعى عبد النعيم خميس والذي كان يعزف ضمن فرقة با حسن (بامطرف 1985 ،5).
صُنعت هذا الآلة في إندونيسيا، كما يتضح ذلك من خلال اللاصق الموجود بداخلها.
لا تحتوي اسطوانات التسجيل الشمعية ذو 78 لفة المعروفة  (والأقدم) على أي تسجيل لجمعة خان وهو يعزف على هذه الآلة. وفي المقابل، وبما أن محمد جمعة خان قضى حياته الفنيه مع تسجيلات وهو يعزف على العود الشرقي، يمكننا استنتاج أن تاريخ تخليه عن القنبوس والعزف على العود الشرقي حصل في مطلع الثلاثنيات تقريباً وهو في الوقت الذي قام بتشكيل فرقة فنية خاصة به في عدن (أي قبل عشر سنوات تقريباً من ظهور أولى التسجيلات التجارية). فضلاً عن ذلك، تم ادخال العود الشرقي إلى حضرموت من عدن عبر شخص يدعى علي التاوي (ثعلب 1984، 41)
يذكر الثعالبي أن هذا الفنان كانه له "مساهمة فنية بسيطة"، إلا أن هذا الأمر يحتاج مزيد من البحث والتأكد لأن هذا الفنان لم يتم الترويج له كما حصل للفنان جمعة خان. وعلاوة على ذلك، إذا لم يكن موسيقي ماهر،فإننا نتساءل فمن أين حصل على لقب "شيخ".
يجب توخي الحذر عن تفسير هذا النص.  ففي حقيقة الأمر تطلق كلمة جامبوس في جنوب شرق آسيا على انواع مختلفة من الأعواد (انظر الفصل 4).
مقابلة مع عبد الله صالح البيضاني 2006م.
 ذكرها لنا حفيده عبد الله صالح البيضاني الذي يبلغ عمره اليوم حوالي 60 عاماً.
" حما خراج وينه يتناغم القنبوس" ( شيخ محمد عبدالله السبوعي البيضاني). بداية البيت غير واضحة المعنى 
 يذكر لنا بارديه Bardey أنه أشترى تلك الآلة وقد يكون من الأهمية بمكان البحث في فرنسا عن مصير هذه الآلة. 
من الممكن أن يكون "عتيق" هو نفس الشخص الذي كان يرافق سعد عبد الله (انظر الفصل 2 والملحق 1)،إلا أنه من الصعب التحقق من ذلك.
من الواضح أنه لم يذكر أي مصدر عن استخدام مسمى "القنبوس" في عدن.
من الملاحظ أن طرف ذيل الآلة أطول مما هو في الآلات الأخرى.
مقابلة مع عادل مبروك.
وبما أنه لم يذكر أي دليل عن وجود أي آلة من نوع الطنبور(أي ذات رقبة طويلة) في اليمن. أما أي علاقة هنا مع الطنبورة، اي تلك السمسمية الكبيرة الخاصة بطقوس الجذب الزار،  قضية مستبعدة تماماً.
هناك شعراء يمنيون مثل يحيى عُمَر وأبو مطلق وخو عَلْوي و والقصائد التالية المجهولة والتي انتشر غنائها في صنعاء مثل "قال المعنى سمعت الطير يترنم" و" بخلت بالوصل عنّا ياشرود" و"يا مورد الخد تفاح الوجن من كم". ومع ذلك، لم نتعرف في هذه المادة الصوتية على أي من الألحان المسجلة المعروفة في الفن الصنعاني.
صورة محفوظة لدى معهد لايدن للدراسات الشرقي(Institut Oriental de  Leiden)(L/0I : D, 2) 
اصدرت خدمة بريد السلطنة في السبعينات طابع بريدي عليه صورة قنبوس (تعليق شخصي. كريستيان بوشيه).
يمثل الجزء الثاني من رقصة الشرح (شوقي 1992).
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.