ـ كتب : محمد سلطان اليوسفي
 
من دموعه الضاحكة يرتوي " الظامئون إلى الحياة " ، في شعره يولد الحب ، وفي ألحانه يسكن العشق والغرام ، يسجع  " مع الفجر " والنسمة ، ويعزف " أناشيد الحياة " للعشاق والمحبين ، فتنتشي بأنغامه " الأرض والفلاح " ..
 
الشاعر والملحن والفنان عبدالله هادي سُبيْت ( 1918ـ 2007) رائد من رواد الكلمة واللحن في اليمن ، ولد في حوطة لحج  وفيها تفتقتْ موهبته في بيئة تزخر بالفن والطرب والجمال الرباني الأَخاذ ، حيث بساتين الحُسَيْني وعبير الفل والورد وشذى الأزهار ، وانعكس كل هذا الجمال في إبداعه الزاخر شعرا ولحنا .. 
 
في سن مبكرة ابتدأ الشاعر عبدالله هادي سبيت تجربته الشعرية ، حيث كان والده يصطحبه إلى مجالس الأدب التي كانتْ تُجْرى فيها مساجلات شعرية ، وكان الفتى يصغي بقلبه لكل ما يدور حوله ، ولا يكتفي بالأصغاء بل إن احساسه يدفعه إلى مجاراة الشعراء في تلك المجالس .. 
بدأ بكتابة الشعر الحُمَيْنِي ( الشعبي )  ، وأجاد بعد ذلك الشعر الفصيح . عمل مدرسا في المدرسة المحسنية بمحافظة لحج وعين وكيلا للمعارف اللحجية سنة 1948م . وخلال مشواره الإبداعي رفد الساحة الأدبية بمجموعة  دواوين شعرية : ( الدموع الضاحكة ، مع الفجر ،الظامئون إلى الحياة ، أناشيد الحياة ، الأرض والإنسان ، رجوع إلى الله ) . 
 
الكثير منا يعرفه شاعرا ولا يعرفه فناننا وملحنا ، بل إن بعض نصوصه الغنائية التي اشتهرتْ بأصوات كبار الفنانين تنسب إلى شعراء وملحنين آخرين .
عشرات الأغاني اللحجية التي أبدعها كلماتٍ وألحانا الشاعر والفنان عبدالله هادي سبيت تجاوزت شهرتها الحدود الجغرافية لليمن لتصل إلى المتلقي العربي إما بأصوات يمنية أو عربية ، فقد ترنم بأغاني وألحان الشاعر عبدالله هادي سبيت عدد كبير من الفنانين والمطربين ، ومنهم ( فضل محمد اللحجي .ت1967م ، محمد صالح حمدون ت.2003م  ، محمد مرشد ناجي ت.2013م ، محمد سعد عبدالله ت.2002م، فيصل علوي ت.2010م ، اسكندر ثابت ت.1996م ، أيوب طارش ، طلال مداح ت.2000م ، أحمد فتحي ..) ، كل هذه الأسماء الفنية الكبيرة حلَّقتْ في سماء لحج الخضيرة ، في رياض الحسيني ، وفي بساتين الحوطة ، واغترفت من بحر فنها الزاخر، وكان لعبدالله هادي سبيت الفضل الكبير ـ بعد الأمير الشاعر أحمد فضل القمندان ت.1943م ـ في إرساء دعائم الغناء اللحجي ، وبفضل تلك الأصوات التي انسجمتْ كثيرا مع خصوصية هذا اللون الغنائي كالفنان فضل محمد اللحجي ، ومحمد صالح حمدون ، وسعودي أحمد صالح،  وفيصل علوي ، وأحمد يوسف الزبيدي ت.1990م ..   
في ألحان وقصائد الشاعر عبدالله هادي سبيت مسحة حزن وألم ومعاناة ، وكل من يسمع قصائده يدرك أن هذا الإنسان كان يحمل بين جوانحه لوعة المشتاق ، ومعاناة الفلاح الكادح ، وروحه تنبض بالجمال والحب ، وما إن تستمع لإحدى قصائده المغناة إلا وذبت شوقا وهياما . 
 التقتْ في إبداعه رقة الفنان وعبقرية الشاعر ليبدع قصائد غنائية بديعية  ساحرة، وألحانا رقيقة آسرة ، وأنت تستمع أغنية ( سألت العين ) التي لحنها الفنان الشاعر عبدالله هادي سبيت ستدرك منذ الوهلة معنى الإبداع ومعنى الفن والطرب ، ستدرك أن من أبدع هذا اللحن فنان ملهم ينتزع من روحه الفياضة ألحانا تغدو نشيدا خالدا في ذاكرة الوجود ووجدانه ، وفي قلب كل عاشق . 
 
أغنية سألت العين تتجدد وتولد في أعماقنا وأسماعنا كل يوم ، وتستمد حيويتها وخلودها من لحنها البديع ، وكلماتها العذبة البسيطة  لا سيما عندما نسمعها بصوت الفنان الراحل محمد صالح حمدون ، فهو أفضل من أدى هذه الأغنية ، وتناقلتها بعده أصوات كبار الفنانين سواء بتسجيلات رسمية أو جلسات خاصة ، فقد ترنم بهذه الرائعة فنانون كثر في الجزيرة والخليج ومنهم طلال مداح ، أبوبكر سالم ، أحمد فتحي ، أيوب طارش ... حققت هذه الأغنية شهرة كبيرة في الساحة المحلية والعربية ، وكانت هذه الرائعة الغنائية من ألحان الفنان الشاعر عبدالله هادي سبيت ، ومن كلمات الشاعر الأمير محسن صالح مهدي ت. 1977.   تقول هذه القصيدة المغناة في مطلعها : 
سـألت العيـن: حبيبي فيـن * أجــاب الدمـع راح منـك
حـبـيـبـــك ما ســـأل عـنـك * وخــــلّا القلــب في نارين 
ومن أشهر ما كتب ولحن الفنان والشاعر عبدالله هادي سبيت ( يا باهي الجبين ، سرى الليل ، لا وين أنا لا وين ، والله ما فرقته ، تذكرته مع النسمة ، القمر كم با يذكرني  ، نجيم الصباح ، ليه يا بوي ، أحبك والدموع تشهد ، با نجناه .. )
كل غنائياته تتسم بإيقاعاتها الراقصة ، ذات الخصوصية اللحجية ، وكل  أشعاره تنبض بالجمال والحب ، بالغزل والرقة : 
سألتني عن هوايا              فتناثرتُ شظايا 
أفلا تدرين عني              لوعة هدتْ قوايا
أنا يا حواء قلبٌ               ذائبٌ بين الحنايا
فسلي عني دموعي          فهي مذياع أسايا  
ومثلما أبدع الشاعر عبدالله هادي سبيت في كتابة الشعر الغنائي الحميني ، وتلحينه ، أبدع كثيرا في كتابة القصيدة الفصيحة ، وتزخر دواوينه الشعرية بالكثير من القصائد الفصيحة التي تنم عن إلمام شاعرنا وتمكنه من اللغة العربية الفصيحة .
ومن أشعاره الفصيحة مخمِسا رائعة شوقي ( يا جارة الوادي )  : 
قد كدتُ أنسى الوجدَ حتى زارني        طيفٌ أعاد تلهفي فأعادني 
يا ليته لما دعوتُ أجابني             " يا جارة الوادي طربتُ وعادني
                       ما يشبه الأحلام من ذكراكِ "                     
 وارتجَ طيفكِ بين دمعٍ قد جرى     حتى خشيتُ عليه أن يصل الثرى 
فحبسته في مقلتي فتحجرا         " مثلتُ في الذكرى هواكِ وفي الكرى 
                     والذكريات صدى السنين الحاكي"  
وفي محراب الوطن يحضر الشعر ، ويبدع الشاعر والفنان عبدالله هادي سبيت قصائد ثورية تستنهض همم الشعب وحماسه ، وتدعوه إلى الخروج في وجه المستعمر :
اسقِ هذا الورد دوما بالدماء         واروِ هذا الزهر من ذوبِ الوفاء 
واغز هذا الأفق دوما بالضياء        تأتك الأيام حتما بالجلاء 
وتزداد قداسة ومكانة الوطن في شعره ، فهو الاجلال والكبرياء، وعنوان الكرامة والتسامي : 
وما أوطاننا إلا تراث      من الاجلال والشم العنيدِ 
لنا فيها المكارم والتسامي     وللأعداء غائرة اللحودِ  
وفي سبيل الوطن يستعذب شاعرنا التعذيب ، والمعاناة : 
وجعلتُ من وطني حبيبا حبه       يملي الشقاء فيكتب التخليدا
ما أن شقيت به وذبت صبابة    إلا طلبت من الشقاء مزيدا
المتتبع لتجربة الشاعر عبدالله هادي سبيت الشعرية ، سيجدها تجربة غنية ومتنوعة بين : ( الشعر الغنائي ، الشعر الوطني ،  الشعر الصوفي )، قرابة ستة دواوين شعرية حصيلة ما ترك هذا الشاعر الفنان ، وعشرات الألحان لأغاني خالدة تحتل مساحة واسعة في أفراحنا وأتراحنا . 
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.